باريس تحترق…!
بقلم العميد منذر ألأيوبي*
باريس تَحتَرِق …!
عطفآ على مقالنا السابق “ضريبة ألكاربون” ،، أتى ألسبت ألثالث أو ألموجة ألثالثة من إحتجاجات حركة ألسترات ألصفراء عنيفآ بإمتياز “كما توقعنا” بداهةً ،، إذ أن ألحكومة ألفرنسية و رئيسها إدوارد فيليب كما ألرئيس ألفرنسي إيمانويل ماكرون أداروا ألأذن ألطرشاء للمتظاهرين من عمال و فقراء و ذوي ألدخل ألمحدود كأن شيئآ لم يكن …
منذ ساعات ألصباح ألأولى بدأ ألمحتجين بالتجمع في ساحة قوس ألنصر وسط ألعاصمة الباريسية مترافقآ مع توافد كَثيرين و معظمهم من ألضواحي و ألأرياف متجاوزين ألحواجز ألأمنية ألمتمركزة قي الشوارع ألمؤدية إلى ألساحة ،، “علمآ أن هذا التدبير ألتكتي تلجأ إليه عادة قوى حفظ ألأمن و ألنظام لإعاقة ألمتظاهرين من ألوصول إلى مكان التجمع أو تقليص عددهم على ألأقل” ،، لكن هذه ألقوى إضطرت لاحقآ و مرغمةً إلى ألإنكفاء نحو شارع ألشانزيليزيه خشية إنتشار ألمحتجين في ألعديد من ألشوارع ألموازية و إنفلات زمام ألأمور مكتفيةً بطوق أمني بعيد …
بدايةً و بعد كَرٍ و فَر ،، باشرت قوى ألشرطة إطلاق قنابل ألغاز ألمُسيل للدموع بِهدف منع ألمتظاهرين من ألتوجه نحو ألشانزيليزيه و بالتالي محاصرة ألمقار ألرسمية للدولة ،، مما رفع منسوب ألتوتر و إرتفعت ألأصوات مطالبة بتراجع ألحكومة عن قراراتها ألضريبية و إستقالة ألرئيس ماكرون ،، و مع تقدم ساعات ألنهار تفاقم ألوضع و عَمد ألمتظاهرين ألغاضبين إلى تحطيم ألممتلكات ألعامة و إحراق السيارات و وضع ألعوائق و الحواجز على ألطرق تلافيآ لِإقتحام أو تقدم قوى مكافحة ألشغب إلى ساحة ألنصر ،، في حين سُجِلَ سقوط أكثر من سبعون جريحآ في ألمواجهات و توقيف ما يقارب المئة و ثلاثون شخصآ تقريبآ …
و إذا كان من تحريضٍ إضافيٍ خَفي لهذه ألتحركات ألمطلبية فهو الرد ألغير مباشر على محاولة ألرئيس ماكرون إنشاء ألجيش ألأوروبي ألموحد و رفض ألولايات المتحدة ألأميركية ألمُطلق لذلك و دعوة ألرئيس ترامب ألدول ألأوروبية إلى تسديد ما يتوجب عليها من مستحقات لصالح حلف ألناتو ألعسكري …
الرئيس ماكرون أُطلِق عليه لُقب “الملك لويس الرابع عشر_ملك ألشمس” و ألأخير صاحب ألعبارة ألشهيرة “ألدولة أنا و أنا ألدولة” L’État, c’est moi فهو بعيد عن مطالب ألعامة و لم يُكلف نفسه عناء نسج خيوط ألتواصل معهم و محاورتهم ،، بل على ألعكس قوبل مُحتجي و مُتظاهري ألسُترات ألصفراء بألإزدراء و ألتجاهل ،، و ما تعليق رئيس الوزراء ألفرنسي على ألأحداث أليوم “أنه مصدوم من تصرفات ألمتظاهرين” إلا دليل على عدم مقاربته و جَهله ما يسود ألشارع ألفرنسي من سخطٍ و غضب على ألحكومة و سياستها ألإقتصادية و ألضريبية …
مُثيري ألشغب و أعمال ألعنف ألغوغائية هم في معظمهم من ألشباب الذين خسروا وظائفهم ألعاطلين عن ألعمل و خريجي ألسجون ،، و رغم أساءتهم إلى ألحِراك بما إرتكبوا سواء قصدآ “بتوجيه خارجي” أو عن غير قصد ،، إلا أن إرتكاباتهم لم تعطل أو تلغي ألمعاني ألسياسية و ألإجتماعية لحركة ألسترات ألصفراء و وجهها ألحضاري أساسآ و أحقية مطالبها ..
بالمقابل ،، واكب أليمين ألمُتطرف – حزب ألجبهة ألوطنية ،، متظاهري السترات ألصفراء مشاركآ في ألتحركات ألمطلبية و أعلنت زعيمة ألحزب ماري لوبان في تغريدة لها مساء أليوم “أن شعب فرنسا يواجه ألحُثالة” …
من جهة أخرى ،، ظَهر ألكثير من ألمتظاهرين على شاشات ألمرئي دون أقنعة أو ما يخفي وجوههم قناعة و إشارة منهم إلى أن معركتهم مع ألسلطة لا رجوع عنها مهما حصل أو سيحصل ،، و أن ألحل ألوحيد هو بعودة ألحكومة عن عشرة قرارات ضريبية أصدرتها خلال ثمانية عشر شهرآ أي منذ تسلم ماكرون مقاليد ألحكم إضافة إلى مراجعة ألسياسة ألإقتصادية ألمُتبعة و مكافحة البطالة و إنخفاض مستوى ألمعيشة و القدرة ألشرائية …
عِلمَآ أن ثمانون في ألمئة من ألشعب ألفرنسي يعتبر أن ضريبة ألكاربون يتوجب فرضها على ألمعامل و الشركات و مصانع ألسيارات إضافة إلى تغريمها عن ألسنوات ألسابقة فهي ألمسؤولة عن إرتفاع نسب ألتلوث و ليس عامة ألشعب …
إلى ماذا سيؤدي ألمشهد ألفرنسي أليوم ؟؟ و ماهي ألمعالجات ؟؟
لا شك أن لا عودة إلى ألوراء بعد ألسبت ألثالث من ألأحتجاجات ،، ف ألأزمة عميقة و ألأمور ستتفاقم حتمآ ،، مما يستوجب إعلان حالة طواريء إقتصادية و الجلوس حول طاولة مستديرة تضم ممثلين عن ألسلطة و مختلف ألشرائح ألإجتماعية و ألقوى ألعاملة لإعادة صياغة ألواقع ألمعيشي و ألعقد ألإجتماعي و تعليق القرارات ألضريبية ألغير عادلة ألتي تطال عامة الشعب مع ألمحافظة على خصوصية أقتصادية وطنية بعيدة عن التناغم مع سياسة و متطلبات ألإتحاد ألأوروبي …
ختامآ ،، الديمقراطية من جُملة ما تعني في مَضامينها : أن رفض ألشعب و إحتَجَاجه على قرارٍ معين أو نهج خطأ يفرض على ألحاكم إما ألتراجع أو ألإستقالة ،، أللهم إلا إذا تَلَبنَنَ ألساسة ألفرنسيين و هنا ألطامةُ ألكبرى …
*كاتب و باحث في ألشؤون ألأمنية و ألإستراتيجية.