بقلم العميد مُنذِر الايوبي*
على حذر اتت الانتخابات النيابية 2022 وبالتقتير زاد خير مضت، بغض النظر عن كل الشوائب والممارسات سواءً ترغيبآ ام ترهيبآ..! خطوة قد تكرس مرحلة جديدة في حياة الوطن المنكوب مختلفة عن سابقاتها في الحال والمآل.. في اليوم السادس عشر انجلى غبار المعركة بعد مخاض الفرز وحسابات التفضيل والحواصل عن نتائج حملت بعضآ من توقعات وكثيرآ من مفاجات..!
ومن عطف تمام تهيؤ مسبق كل ينسب نصرآ لنفسه، اتت الاحتفالات متزامنة مع القراءات والتحليلات من احزاب وتيارات مجتمعية او مدنية على عدة مستويات بحثآ عن ثقوب الحملات، كما دراسة مواضع الضعف والاهتراء في الماكينات من منطلق المصالح الذاتية لا الوطنية..
بالمقابل، فإن وضع خارطة التحالف البيني وتشكيل او توليف الكتل، عاملآ مانعآ للشرذمة مخفضآ حدة جدل بيزنطي متوقع لا سيما في القرارات الهامة ومشاريع القوانين لن يكون بالأمر اليسير؛ اذ ان قرار النقض اسهل من التوكيد، والتموضع هنا او هناك مع ذاك الفريق ام ذياك الرفيق سيكون قابلآ للنكث رهينة فراق عند اي مفصل او امتحان.. في السياق بدت سطوة المال اقوى من وهج السلاح، اما الالتزام الايديولوجي او الحزبي وكذا الطائفي فلم يكن افضل حالآ او بمنأى، سواءً من منظور اعتراضي او تمايز على خلفية شعبوية دارجة مفترضة مثمرة..!
تاليآ؛ لا حاجة فعلية لضرب المندل او رمي الودع لمعرفة مستقبل البلد وخباياه، أٰ بالرمادي نحيا ام نعبر الى الابيض..؟ لا ضرورة لقراءة أكف النواب قدامى و جدد، إذ ان التوقعات والتعليقات اتت من العاصمة واشنطن قبل ان يجف حبر البصم عن أبهُِمِ المقترعين.. فخلال ندوة ضجت بها وسائل الاعلام عبر تطبيق Zoom عقدت في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى بعنوان “ديناميات حزب الله والشيعة وانتخابات لبنان: التحدّيات والفرص والتداعيات السياسية” كانت كلمة لمساعد وزير الخارجية الاسبق لشؤون الشرق الاوسط ديفيد شينكر موجزها: *عرض لاستراتيجية الإدارة الاميركية في مواجهة نشاطات حزب الله وقرار العقوبات المفروضة بحق كيانات وافراد تابعة له والتي طالت ايضآ بعض حلفائه.. *اعتراف بوقوف ادارته خلف قرار خفض تصنيف لبنان الائتماني.. معتبرا “ان الانتخابات لن تغير الوضع بشكل دراماتيكي، مؤكدآ ان المعارضة منقسمة بشكل مريع، مع توصيف قادتها بالنرجسيين والشخصانيين”. (سيأكلون بعضهم بعضاً ولن يربحوا ما يكفي من المقاعد لإحداث تحوّل في التوازن). *مختتمآ :” النظام معطّل في لبنان والانتخابات بمثل قوانين انتخابية كهذه لن تصلحه بشكل واضح”..!
استطرادآ؛ في خلاصة مقال اكثر تفصيلآ لوزير الخارجية الاميركي الاسبق ديفيد هيل نشر على موقع Wilson Center قارب فيه نتائج الانتخابات وحضور حزب الله في البرلمان اللبناني، تساءل عن مدى بقاء لبنان اولوية لدى الادارة الاميركية، معتبرآ: *ان الممارسات الديمقراطية مليئة بالانتكاسات والبنية السياسية الطائفية ستدفع نحو حال من الشلل. *ان الرئيس نجيب ميقاتي لن يتمكن من تشكيل حكومة تحظى بثقة البرلمان وسينتقل الى ترؤس حكومة تصريف اعمال. *ان الازمة السياسية ستطول مع تمديد رئاسي او فراغ مرحلي، وبالتالي استمرار السقوط الاقتصادي. *مختتمآ بعبارة: “الوقت ينفذ امام لبنان”..!
جملة اسئلة تطرح كبيرة الحجم عميقة المضمون لارتباطها بديمومة وطن او تفككه “خيار مزمن لا عرضي” ومنها:
-هل تلمس دايفيد هيل دنو وقت حسم الخيار الاستراتيجي لدى واشنطن حول لبنان.؟ وعلى اي درجة من مقياس المصالح الاميركية المتداخلة في الاقليم.؟ بالتالي هل هذا الحسم المحتمل يرتكز على نجاح محادثات فيينا النووية، وبقاء حال المراوحة لبنانيآ في مسألة ترسيم الحدود البحرية مع العدو..؟ في هذا الاطار من المنطقي اعتبار استدعاء سفينة الحفر التابعة لشركة «إنيرجيان» اليونانية الحائزة حق التنقيب عن الغاز في حقل «كاريش» مرتكز على ضمانة ايرانية بعدم تفعيل حزب الله منظومة “ياخونت” الصاروخية “بر-بحر”..!
-تأشير دايفيد هيل الى دور للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في المسألة اللبنانية، لتعذر قطع خيوط الارتباط ومجموع المؤثرات السياسية الصوتية والميدانية بين الديناميات اللبنانية عن ازمات الاقليم الشرق اوسطي.؟ بالتالي هل سيتمكن الاخير من ايصال لبنان الى صيغة حكم جديدة، من خلال حوار ترعاه باريس بين الاطراف اللبنانيين..؟
وفق معلومات مسربة من مصادر فرنسية سيكون لمدير الامن الخارجي الفرنسي السفير السابق في لبنان برنارد إيميه دور محوري تمهيدي مرتقب لوصل كابلات الاتصال الارضي “معراب- حارة حريك- المختارة- ميرنا الشالوحي- مع استعادة لدور بيت الوسط لا يستغنى او يستهان به فرضه واثبته تفاعل انتخابي ضعيف لدى الطائفة السنية الكريمة..”..!
-هل ستتمكن السلطة ببنيتها المهترئة وهي المتواطئة لا بل المشاركة في جرائم المافيا المالية من لجم القفزات الجنونية لسعر الدولار وبالتالي تخفيف او تبطيء مسار الانهيار المعيشي بإنعكاساته الملتهبة..؟
-الى متى انتظار الضوء الاخضر الدولي والاقليمي لعودة النازحين السوريين الى بلادهم، ام ان العتمة اصابته ايضآ.؟
-هل سيساهم استمرار الدعم المادي الاميركي المقنن كمآ ونوعآ للجيش اللبناني والثقة الشعبية التي يحوزها مع الاجهزة الامنية الرديفة من صد وقائي للتفلت الامني.؟ ومدى قدرته في الفاعلية والاستمرارية..؟
من جهة اخرى؛ بعد حالتي السقوط الحر والانهيار الشامل ثم الارتطام القعري، تمثل عملية “الالتهام الذاتي” Autophagy المرحلة الاخيرة لحالة الإفناء، آلية تدمير وتقويض طبيعية لاستحالة اعادة تدوير مكونات الوطن المعطوبة المختلة وظيفيآ والمشوهة جينيآ: “الدولة الفاشلة، الشعب المفكك، نظام الحكم الأسوأ، الفساد، القضاء المنهار، الخ..” وما قانون الانتخاب الهجين بتركيبته ونتائجه الا احد المحفزات الهرمونية الاساسية لهذه العملية..!
أخيرآ؛ من الواضح المعتاد ان التحديات الجيوسياسية في الاقليم تنعكس على الوضع الداخلي والتركيبة الفسيفسائية ارض خصبة.. في الإحتواء المرتجى لكل الوقائع والنتائج السلبية: على الصعيد البرلماني فرض الابتعاد او تحييد عوامل الانقسام مع ضبط الخطاب المتوتر المتطرف والاتهامات المتبادلة بالتخوين والعمالة من جهة وانتهاك السيادة وسيطرة الدويلة من اخرى. ضرورة تجاوز عدة استحقاقات مرتقبة إثبات حسن النوايا والبعد عن الرزايا سواء في السياسة (تأليف حكومة جديدة متوازنة، انتخاب رئيس واعضاء مكتب مجلس النواب، انتخاب رئيس الجمهورية” ام في الحلول الاقتصادية والمالية.. بما يتساوى على محور الممارسة والخيارات الوطنية الصافية مع عملية التطعيم بمصل النواب الجدد، فرض تغير عناصر المعادلة الداخلية والنتائج، استدارة نحو خلاص مرتجى تلافي قصور ومنع تمادٍ في القتل وما “مشروع التعافي المالي إلا خير مثال جرمي”..؟…..
بيروت في 22.05.2022
