الوطن الأزرق..!
بقلم العميد منذر ألأيوبي*
“حكومة ألوفاق ألوطني ألليبية مسلوبة ألإرادة و أسيرة ألميليشيات ألإرهابية” هذا ما عَلَق به ألرئيس ألمصري عبد ألفتاح ألسيسي على ألوضع في ليبيا ألجارة ألأقرب ؛ فهو يعتبر أن ما يجري على أرضها من تطورات عسكرية و توترات أمنية يمس مباشرة ألأمن ألقومي ألمصري ..
من هذا ألمُنطلق ، فإن إعلان قائد قوات شرق ليبيا ألجنرال خليفة حَفتَر يوم ألخميس ألماضي إطلاقه ألمعركة ألحاسمة لتحرير ألعاصمة طرابلس ألغَرب و إنتزاعها من سلطة ألحكومة بألتزامن مع تصريح ألرئيس ألتركي رجب طيب أردوغان :”أن أنقرة ستتخذ الخطوات اللازمة إذا تلقت دعوة لإرسال جنود إلى ليبيا” مضيفآ أن ألجنرال حَفتَر “شخصية غير شرعية” يأتي في ظل ألتباين ألسياسي و ألديبلوماسي ألمخيم على ألعلاقات بين تركيا و مصر الذي وصل إلى حد ألخصومة مترافقآ مع إرتفاع أللهجة ألمتشنجة و ألعدائية على خلفية تضارب المصالح الاستراتيجية ، إذ تحاول أنقرة بسط نفوذها في منطقة ألشمال ألأفريقي في حين تعتبر ألقاهرة أن ألأراضي ألليبية حديقتها ألخلفية ..!
من ألواضح أن ألصِراع ألمحتدم ما زال بين ألوكلاء فمن جهة تدعم أنقرة حكومة ألوفاق برئاسة فايز ألسراج في حين تقدم ألقاهرة ألدَعم ألعسكري و ألمادي لقوات حَفتَر و آخرها كتيبة من دبابات “تاغ تيرير” ألإنتاج ألأحدث لهيئة ألتصنيع ألحربي ألمصرية ، بموازاة ذلك و في حال إقتربت ألعاصمة من ألسُقوط بِأيدي ألقوات ألمهاجمة فإن ألرئيس ألسراج قد لا يتوانَ عن طلب ألتدخل ألعسكري من حليفه ألتركي ، لا سيما بعد توقيع ألجانبين مذكرة ألتفاهم ألمتعلقة بألتعاون ألعسكري و ألأمني ألبحري ألتي سيقرها ألبرلمان ألتركي خلال ألأسبوع ألقادم ، ألأمر ألذي سيجعل ألأمور أكثر تعقيدآ و ينقل ألواقع ألعسكري إلى حَيز ألمواجهة ألمباشرة في ألمَيدان ..
من جهة أخرى ، فأن سيناريو ألمواجهة ألمباشرة لن يكون أقل من تعرض ألبوارج ألتركية و سفن ألنقل أللوجستي للآليات و ألعتاد ألمتوجهة إلى ألموانيء ألليبية لطوربيدات ألبحرية ألمصرية و إغراقها ، بآلتوازي سيتولى سلاح ألجو ألتركي “ألقوة ألجوية ألثالثة في حلف أل NATO” عملية نقل ألوحدات ألتركية ألمقاتلة مستخدمآ طائرات ألنقل ألضخمة C-130 “هيركيلوز” و C-160 “ترانسال” التي ستنطلق من قاعدتها Erkilet وسط تركيا بحراسة سرب من طائرات F-16 C ألتابع للقوة ألجوية ألتكتية و مركزها قاعدة Bandirma شمال-غرب مع إستِخدام ألطائرات من دون طيار TAI – Anka ألمحلية ألصُنع ، مما يعني أن القوة ألجوية لن تكون بمنأى عن خطر منظومة ألصواريخ ألمضادة ألمتمركزة على ألساحل ألمصري ، أما ألالوية ألمدرعة ألمصرية ألتابعة للفرقة رقم 6 فستندفع عبر ألحدود (معبر ألسلوم) نحو ألساحل ألليبي و ألمدن ألكبرى إضافة للواء المشاة ألميكانيكي ألفرقة رقم 7 تحت غطاء جوي من طائرات Rafael و F-16 Fighting ..! هذا ألسيناريو بخطوطه ألعريضة من دون ألغرق في تموضع ألقوى و خطوط ألجبهات و تكتيكات ألقتال و ألحرب ألإلكترونية كفيل بإعطاء فكرة وافية عما يمكن أن يحصل مما يمنع حصوله ..! إذن ألحرب ألمباشرة مغامرة تغير قواعد أللعبة في شرق ألمتوسط بما لا يمكن ألتكهن بمضاعفاتها أو بنتائجها و هذا ما لا يمكن لأي من ألأطراف تحمله ..!
ألسؤال هل سيبقى ألوضع ضمن دائرة ألمواجهة بين طرفي ألنزاع ألليبي وِفقآ لقواعد ألإشتِباك ألسارية ألمفعول حاليآ ..؟ و هل من ألممكن إعادة تفعيل ألحوار ألداخلي ..؟؟
من ألمنظور ألإستراتيجي يعتبر ألرئيس ألسيسي أن ألأتفاقية ألعسكرية و ألأمنية ألتركية-ألليبية “خطر داهم يهدد مصر” فهو وفق بنودها يتيح لتركيا استخدام الأجواء و ألأراضي و ألمياه ألإقليمية الليبية دون إذن مسبق من ألحكومة كما يسمح بتركيز قواعد عسكرية برية للقوات ألتركية عند ألإقتضاء ، و هذا أمر لا يمكن ألسكوت عنه ، إذ أن ألتواجد ألتركي على ألحدود ألغربية و بمحاذاة ألمياه ألأقليمية ألمصرية إستهداف يهدد حقول ألنفط و ألغاز و منصاته في ألمتوسط كما أن عملية “نبع ألسلام” ألتي قام بها ألجيش ألتركي في سوريا من غير ألمسموح و من ألمتعذر تنفيذ ما يماثلها في ليبيا ..!
في سياق مُتَصل ؛ أللاعبين ألإقليميين و ألدوليين لا سيما ألأوروبيين و دول حلف شمال ألأطلسي يتفادون حرق أصابعهم في ألصحراء ألليبية ، أما ألرئيس ألفرنسي إيمانويل ماكرون فقد إستنكر بشدة ألتمدد ألتركي نحو ألشمال ألأفريقي ، بألمقابل فإن وقوف مصر و دولة ألإمارات و روسيا بجانب ألجنرال خليفة حَفتَر بوجه حكومة فايز ألسراج ألمعترف بها من قبل ألأُمَم ألمتحدة ليس من باب ألتكتيك إذ أنه يكبح جماح ألنفوذ ألتركي أساسآ و ما تواجد عناصر ألمرتزقة ألتابعة للمنظمة شبه ألعسكرية Paramilitary شركة “فاغنر” Wagner Group ألروسية ألمماثلة لشركة “بلاك وويتر” Blackwater ألأميركية ألعاملة في ألعراق سوى دليل إصرار من ألكرملين على عدم ترك ليبيا بألتالي تمهيد ألأرضية ألمناسبة بإنتظار مرحلة ألتدخل و ألتواجد ألصريح و ألشرعي للقوات ألروسية في هذا ألبَلَد بعد تمكين حليفه ألجنرال ألمنشق ألإمساك بزمام ألسلطة ألرئاسية ، إضافة لذلك فإن ألرئيس ألروسي فلاديمير بوتين و كان آنذاك رئيسآ للوزراء يعتبر موسكو إرتكبت خطأً جسيمآ عندما تحفظ مندوبها في ألأُمَم ألمتحدة و لم يضع ألفيتو على قرار مجلس ألأمن ألدولي رقم 1973 ألصادر في شهر آذار عام 2011 الذي سمح بألتدخل ألعسكري في ليبيا مع فرض مناطق ألحظر ألجوي ..!
أين ألولايات ألمتحدة ألأميركية مما يجري ؟؟ رغم أن قنصليتها في مدينة بنغازي تعرضت خلال شهر أيلول 2012 لهجوم عنيف من قبل راديكاليين إسلاميين (فصيل أنصار ألشريعة) ألمرتبط بتنظيم ألقاعدة في بلاد ألمغرب ألعربي و ألذي قتل أثناءه ألسفير ألأميركي “كريستوفر ستيفنز” Christopher Stevens و إثنان من ألموظفين ألأميركيين فإن ألرئيس ترامب لا يرغب بألتورط ألعسكري و هو على تواصل مع ألجنرال حَفتَر ؛ أما ألمحادثة ألهاتفية ألأخيرة بين ألرجلين فكانت بمثابة ضوءآ أخضرآ أميركيآ للشروع بألهجوم في نفس ألوقت يبدو ان ألبيت ألأبيض حصر ألأمور بيد روسيا و ألتَنسيق قائم بين وزارة ألخارجية ألأميركية و نظيرتها ألروسية في هذا ألملف ..
على ألصعيد ألأممي ، فإن مبعوث ألأُمَم ألمتحدة إلى ليبيا أللبناني ألدكتور غسان سلامة يسعى إلى إيجاد قواسم مشتركة يمكن الانطلاق منها لوقف ألعمليات ألعسكرية ، مقترحآ لتلافي “حمام ألدم” عقد مؤتمر دولي في ألعاصمة ألألمانية برلين “لم يحدد موعده بعد بإنتظار ألتوقيت ألمناسب” بهدف إرساء ألإستقرار و ألسلام ألدائمين في هذه ألدَولَة التي مزقتها ألحرب ألأهلية و ألتدخلات ألأجنبية إضافةً إلى تحولها معبرآ يسمح بتسلل مَجموعات داعِش و ألنصرة إلى عمق ألقارة ألسوداء ..!
ختامآ ؛ ضمن فكر و عقيدة إستعادة ألأمبراطورية ألعثمانية يعتبر وزير ألدفاع ألتركي “خلوصي أكار”: “إن الوطن الأزرق -يضم المنطقة الاقتصادية الخالصة ، الجرف القاري ، المياه الإقليمية المحيطة بتركيا و ألقواعد ألعسكرية ألتركية في ألمتوسط- ألذي يمتد على مسافة 462 كيلومترا قد اتسع” ..! معلنآ عن بدء أضخم مناورة عسكرية إستمرت 9 أيام شملت ألبحار ألثلاثة(ألأسود- إيجه- ألمتوسط) و شاركت فيها أكثر من مئة قطعة بحرية بهدف إختبار كفاءة قواعد و مراكز ألعمليات و ألسيطرة للقيادة ألبحرية .. هو ألوطن ألأزرق بأللغة ألتركية Mavi Vatan في زمن ألحرائق ألمتنقلة على سطح ألكَوكَب ألأمل ألا تصبغ مياهه بألدماء أيضآ ..!
بيروت في 19.12.2019
عميد،كاتب و باحث.