المطار والمسافرون والدولة اللبنانية … كلهم ضحايا “حوت” مستبد يمنع الاصلاح
ما يجري وراء الكواليس في مطار رفيق الحريري الدولي، يفوق كل وصف وتصور مع تحوًل هذا المرفق الحيوي إلى جزر ومحميات ومواقع تناتش وسيطرة لاصحاب النفوذ والغلبة.
والحديث عن المطار بداية ، هو كلام بشكل او بآخر يطال شركة “طيران الشرق الأوسط” التي تختصر بشخص رئيس مجلس ادارتها محمد الحوت، والذي ايضا يختصر بشخصه استتباعا المطار بكل هيكليته البنيوية ، حتى ولو ترك هامشاً شكلياً للادارات الاخرى المعنية بادارة المطار، كالمديرية العامة للطيران المدني وسواها من المديريات المستقلة.
وليست تسمية الاشياء باسمائها من قبيل التشفي، او الانتقام او الانتقاد الهدام، بل ان ذلك النقد بات واجباً ولزاما على كل حر ، بعد سماعنا كل هذه الاصوات المشمئزة، التي بتنا نسمعها يومياً من المطار وعنه ، والنقد هو بهدف تقويم الاعوجاج الناتج عن تراكم السلبيات، التي باتت ولاَّدة المصائب واللعنات التي لحقت وتلحق ببوابة بيروت أسوأ التبعات السلبية، وخاصة على صعيد السمعة السيئة ، ولا يمكن لأي من للمتبوئين للمناصب العليا في ال”ميدل ايست” لا الحوت ولا سواه ان يبرر الاخطاء المتراكمة ويعلقها على “شماعة” الاستهدافات السياسية، وتلك نغمة سئمناها ايضاً.
فدائما ما يشتكي المسافرون عبر المطار، من الأسعار الباهظة في المطاعم والمقاهي الموجودة فيه، سواء قبل الأزمة أو بعدها، وهم يصبون جام انتقاداتهم وغضبهن على الدولة اللبنانية لاعتقادهم ان الدولة هي من “تسلخهم” وهي التي تفرض تلك الأسعار، باعتبار أنها هي المستفيدة من عائدات المطاعم والمقاهي، فيما تؤكد مصادر عليمة ومتابعة لكل ما يجري في المطار، على أن الدولة “استفادت” سنوياً على مدى السنوات الثلاث الماضية بمبلغ وقدره 40 ألف دولار فقط من كل المطاعم والكافتيريات في المطار، بينما كانت الشركة المشغّلة هي التي تحصل على المداخيل الباهظة وتدفع للدولة ما يعتبر “إكرامية”!، هذا أقله
ولطالما اشتكى المسافرون أيضاً من عدم كفاءة المطاعم في المطار، وتدنّي مستواها، إضافة إلى نوعية الطعام الذي يقدّم للركاب في الطائرة. وكل ذلك كان يحصل، والدولة تتحمّل مسؤولية هذا “النكد”، بينما كانت شركة تستفيد من عائدات هذه المطاعم الباهظة بالدولار الأميركي، و”تدفع للدولة نحو 3 مليارات و600 مليون ليرة لبنانية فقط (3.600.000.000 ل. ل.) في السنة، أي ما يوازي 40 ألف دولار تقريباً سنوياً بحسب سعر الصرف الحالي!”، وفق المصادر نفسها، علماً أن غالبية خدمات المطار يدفعها المسافر بـ”الدولار الفريش”.
وتروي المصادر أن ” شركة LBACC (الشركة اللبنانية لتموين مطار بيروت ش.م.ل.) لم تعد في 18 تموز ٢٠٢٣ هي الشركة المستثمرة للمطاعم والكافتيريات في المطار، واستبق وزير الأشغال العامة والنقل علي حمية ذلك بإجراء مزايدة علنية في شهر آذار الماضي لتلزيم إشغال وإدارة واستثمار مطاعم وكافتيريات في مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت”.
حينها تقدّمت إلى تلك المزايدة 3 شركات هي:
1- المشغّل السابق شركة LBACC (الشركة اللبنانية لتموين مطار بيروت ش.م.ل.)، بعرض أسعار قيمته 979 ألفاً و800 دولار أميركي (979.800$).
2- شركة Nevada S.A.L. بعرض قيمته 3 ملايين و453 ألفاً و210 دولارات أميركية (3.453.210$).
3- شركة FHB MENA Franchise LTD.
ورفض العرض المقدم من الشركة الثالثة لعدم مطابقة ملفها دفتر الشروط.
تضيف المصادر: “خلال شهر نيسان الماضي، جرى فضّ العروض، وفازت بالمزايدة شركة Nevada التي جاء عرضها (بعد إضافة مبلغ 0.18 سنتاً على كل راكب في مطار بيروت) أكثر بما يقارب 4 أضعاف عرض الشركة اللبنانية لتموين مطار بيروت ش.م.ل. التي كانت على مدى سنوات طويلة تتولى إشغال وإدارة المطاعم والكافتيريات في المطار، وبمبالغ زهيدة، خصوصاً في السنوات الأخيرة”.
ما سبب تدني هذه الأسعار؟ تجيب المصادر: “تبين أن الشركة المالكة لشركة LBACC هي شركة طيران الشرق الأوسط (ميدل إيست) التي يرأس مجلس إدارتها محمد الحوت، مع شريك لها بحصة 17 %. ويُنقل عن ورثة الشريك أن كشوفات الشركة التي كانت تقدّم لهم تفيد بحصول خسائر دوماً من عمل الشركة. وتبين أن “ميدل إيست” تملك أيضاً شركة الشرق الأوسط لخدمة المطارات (MEAS) التي تتولى صيانة منشآت مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت، وشركة MEAG التي تقوم بالخدمات الأرضية لنحو ٨٠٪ من شركات الطيران، وشركة MASCO التي تقوم بصيانة طاائرات Airbus في مطار رفيق الحريري الدولي – بيروت”.
شكّلت خسارة شركة LBACC صدمة للحوت، خصوصاً مع شعوره بأن المصرف المركزي الذي يمتلك شركة “ميدل ايست” في حالة غير طبيعية والأنظار عليه مع نهاية ولاية حاكم المصرف رياض سلامة.
وتلفت المصادر إلى أنه على الرغم من ارساء المزايدة على شركة أخرى “فإن الحوت، وخلافاً للقانون، ولموجبات العقد الموقع بين LBACC ووزارة الأشغال، رفض تسليم المطاعم والكافتيريات إلى الشركة الجديدة التي فازت بالمزايدة، بحجة أن شركته تمتلك التجهيزات الكفيلة بتشغيل المطاعم وذلك خلافا لأحكام دفتر الشروط “.
ولجأت شركة LBACC إلى قاضي الأمور المستعجلة للحصول على التجهيزات التي كانت تستخدمها في تلك المطاعم، خلافاً لدفتر الشروط والذي يفرض عليها تسليم التجهيزات الى ادارة المطار أي المديرية العامة للطيران المدني التي تقوم بدورها بوضعها في تصرف المستثمر الجديد، كما أن الحوت حاول أيضاً عرقلة تشغيل المطاعم والكافتيريات عبر الإجراءات التالية:
1ـ تسليم جميع المواقع في آخر يوم من المهلة، ما خلق بلبلة في تشغيل المطاعم من المستثمر الجديد.
2ـ مارس ضغوطاً على الموظفين الذين ينص العقد على انتقالهم إلى الشركة المشغلة الجديدة تلقائياً، لكي يقدموا استقالاتهم، كما أوحى لهم بتأمين فرص عمل لهم برواتب أعلى.
وبينما تنتظر الشركة الفائزة بالمزايدة تسليمها المطاعم والكافتيريات بما فيها، وفقاً لدفتر الشروط والعقد، تقول المصادر: “يبدو أن شركة LBACC تراهن على عرقلة تسليم الشركة الفائزة بالمزايدة، سعياً إلى إلغائها على غرار ما حصل في أواخر العام 2020، عندما أجرت إدارة المناقصات المزايدة وفازت بها إحدى الشركات، ولكن بسبب جائحة كورونا والاغلاقات التي حصلت آنذاك، أرجئت جلسة فض العروض من دون إعلان الموعد الجديد للمزايدة بسبب عدم صدور الجريدة الرسمية، واكتفت إدارة المناقصات بنشر الموعد الجديد على لوحة الاعلانات في مقرّ الإدارة. فقرّر ديوان المحاسبة اعتبار نتائج المزايدة باطلة بعد أكثر من ثمانية أشهر على فضّ العروض. يومها، حصلت تدخلات سياسية لمنع تسلّم الاستثمار من المشغّل الجديد، ونجحت في تمديد مدّة الاستثمار لسنتين مقابل بدل رمزي، ثم حصل تمديد جديد بعد أن تمت عرقلة المزايدة التي حصلت في نيسان 2022”.
إنها معطيات تدفع إلى طرح تساؤلات بمثابة صرخة مجلجلة:
فهل بات ممنوعاً على أي مستثمر دخول المطار والمنافسة؟ ولماذا على اللبناني أن يدفع ثمن تصرفات كهذه؟ ففي نهاية المطاف هناك قضاء وقانون سيحسمان الجدل ويعطيان كل جهة حقها، لكن إلى حينه يبقى المسافر هو الحلقة الأضعف التي عليها أن تتحمل كل ذلك.
وهذه الصرخة بمثابة رسالة نوجهها الى كل صاحب ضمير، لأن المصلحة العامة أهم من كل المصالح، وفوق كل الاعتبارات.
فالمطار يمكن أن يكون في حالة أفضل في حال دخل المنافسون عليه وتنوعوا. ودائماً تصب المنافسة في مصلحة اللبنانيين وكل من يدخل المطار ذهاباً وإياباً.