الليل أنيس الآداب العالمية ومحور الإلهام …
الدنيا نيوز – دانيا يوسف
كان وما زال محور الحركة والحياة والإلهام وصورة مشرقة برغم ظلمته. صادقه الشاعر والكاتب حيث كان حاضرا دوما في السطور والكلمات. انه الليل الذي كان تارة هو رمز الخير وتارة أخرى رمز الشر. وكان أحيانا هو الصديق والرفيق والأنيس وأحيانا أخرى هو الغادر المؤلم والقاتل. ربما كان الليل يغري الكاتب بصمته وهدوئه للإنصات والتفكر والبكاء أو الشوق والحنين والانتظار. هذا الليل الساحر بنجومه المتألقة وكواكبه المتلألئة المنثورة كالزهر في صفحة السماء، وهذا القمر المختال على عرشه في الفضاء، هذا الليل بسكونه الرهيب، وصمته المهيب، وهمسه الرقيق الحاني كم ألهم الشعراء، وكم حظي في الآداب العالمية بأهمية كبيرة ومنزلة رفيعة.
الليل في الأدب:
نقلت إلينا آداب العالم روايات تتحدث عن ليل مختلف تماماً عن ليل الشعراء. إنه ليل جاك باقر البطون والدكتور جيكل في لندن، وريا وسكينة في مصر. وما من أدب أوفى الليل حقه في هذا المجال كالأدب البوليسي الذي كان الليل بطله الخالد. ولعل ذروة ما توصل إليه الخيال الأدبي في التعامل مع الليل المخيف هو في نسج أساطير لا يكون الليل فيها مسرحاً للجريمة، بل هو نفسه العامل المثير للرعب. ومن أشهر ما يعرفه الجميع في هذا الميدان روايات مصاص الدماء دراكولا الذي يقوم من تابوته ليلاً ليفترس ضحاياه، والرجل المستذئب الذي يعاني من لعنة تحوله الدائم ليلاً من رجل إلى ذئب وبالعكس.
والواقع أن هذا النوع من الأدب، ومهما كانت قيمته أو قيل فيه، يبقى مؤشراً صادقاً إلى وجود نوع من الوحشة بين الإنسان والليل.
فالإنسان يخشى ما يجهله وما لا يستطيع أن يراه. ولذا هناك دائماً نوع من الوحشة في البيت المظلم، وفي الشارع المظلم وفي الغابة المظلمة. قد يقتصر التعبير عنها عند البالغين على توخي الحذر ولو بشكل غير ملحوظ. أما الأطفال فيعبرون عن خوفهم من الليل بعفوية وصدق أكبر، حتى البكاء.
الليل في مسرح شكسبير:
تنطلق مسرحية “هاملت” كبرى مسرحيات شكسبير من نصف الليل بالكشف عن جريمة لتنتهي بانتقام وانتحار في منتصف الليل. والليل هو مسرح اللحظات الفاصلة والوقائع الكبيرة في مسرحياته، في كنفه الاعترافات التي لا تجرؤ الشخصيات البوح بها للنهار. إنه ليل البوح الكبير:
تعال أيها الليل الكثيف
وتسربل بأحلك ما في جهنم من دخان
لكي لا ترى مديتي الماضية الجرح من طعنتها،
ولا تنفذ السماء بعينها غطاء الظلام،
فتصرخ كفى كفى
الليل في الشعر:
إنّ ما يغري الشعراء بالليل عتمته وغموضه فضلاً عن البعد عن ضوضاء النهار والصمت المغري بالتأمّل والاستغراق، ما يجعل النفوس تطلق هواجسها على مداها الواسع.
ولو تتبعنا الليل في الشعر العربي، لوجدناه ملازماً له من بداياته المعروفة ومرافقاً له في جميع مراحله حتى اليوم. فالليل في الصحراء العربيّة كان من لزوميّات الشعر الجاهلي. لكنّ الليل بالنسبة للشاعر الجاهلي لم يكن واحداً ومتماثلاً، فلكل شاعر ليله. يقول أمرؤ القيس:
وليلٍ كموج البحرِ أرخى سدوله
عَليَّ بأصناف الهمومِ ليبتلي
فقلتُ له لمّا تمطَّى بصلبِهِ
وأردَفَ أعجازاً، وناءَ بكلكلِ
ألا أيُّها الليل الطويل ألا انجلِ
بصبحٍ وما الإصباحُ منكَ بأمثلِ
والليل كشرط رومانسي للشاعر العاشق الحزين أو للأسير، يظهر في أجمل مظاهره، في قصيدة أبي فراس الحمداني التي قالها وهو في سجن خرشنة من بلاد الروم، ومنها:
.. إذا الليلُ أضواني بسطت يد الهوى
وأذللتُ دمعاً من خلائِقِهِ الكِبْرُ
ويصف المتنبي الليل في أماكن متعددة من شعره وهو القائل في الفخر بيته الشهير:
الخيل والليل والبيداء تعرفني
والسيف والرمح والقرطاسُ والقَلَمُ
ويقول في قصيدة يصف فيها الحمى:
وزائرتي كان بها حياء فليس تزور إلا في الظلام
صُورَ الليل في الشعر الحديث:
الشاعرة العراقية نازك الملائكة التي أسَّسَتْ مع بدر شاكر السيّاب وعبد الوهّاب البياتي للحداثة في الشعر العربي، اصدرت ديواناً لها في ستينيات القرن الماضي بعنوان “عاشقة الليل”. أما الشاعر الفلسطيني محمود درويش فيجعل من الليل رمزاً للمحنة أو الضيق، من خلال ديوانه “آخر الليل نهار”.
من خلال كتاب “التحولات والهجرة في أقاليم النهار والليل” رصد الشاعر علي أحمد سعيد\أدونيس الليل ومشتقاته. ففي قصيدة “شجرة النهار والليل” يقول:
ويضيءُ الليلُ الصديقُ
وتنسى نفسها في فراشِيَ الأيامُ