السيناريو الأسوأ…!
بقلم ألعَميد منذر ألأيوبي*
شكل ألاندفاع ألسريع للجيش ألسوري نحو تحرير مدينة حلب بألكامل و حِماية مطارها إضافةً إلى تأمين شبكة ألطرق ألمؤدية إليها لا سيما طريق حلب – دمشق ألدولية “تم إفتتاحها رسميآ يوم أمس” إحراجآ و صدمة لدى ألرئيس التركي رجب طيب أردوغان إذ لم يكن يتوقع إنجازآ بهذا ألحجم في فترة زمنية قصيرة مما دفعه إلى تهديد دمشق بضرورة إنسحاب قواتها قبل نهاية شهر شباط ألحالي بعد زج وحدات إضافية من الجيش ألتركي في شمال سوريا و ذلك بألتزامن مع إدلائه بتصريحات تصعيدية تعبر عن غضب متفلت من قيود ديبلوماسية رئاسية مفترضة ..
أما ألسبب ألمباشر فهو أن إنجاز ألقوات ألسورية ينهي أولآ وجود نقاط ألمُراقبة ألتركية لضمان وقف إطلاق ألنار ألمنتشرة في منطقة أدلب وفق ما ورد في إتفاقيتي أستانا و سوتشي ألناتجتين عن ألتفاهمات بين ألأطراف ألثلاث روسيا ، تركيا و إيران مما يستوجب إخلاءها لإنتفاء ألحاجة إليها و يفقده بألتالي أحدى أوراق مساوماته ألميدانية ..
أتَى ألرد ألتركي على مواصلة ألجيش ألسوري عملياته في بقعة ألشمال ألغربي بعبور وحدات مدرعة من ألجيش ألتركي إلى ألداخِل ألسوري و ألمنطقة ألعازلة في مواجهة عسكرية مباشرة مستهدفة قوات ألنظام بقصف مدفعي لمواقعها في ريف إدلب ألجنوبي و محيط بلدة ألنيرب ، كما عمدت إلى دعم ألتنظيمات ألمُسَلحة ألمواليَة لها و توجيهها للتسلل إلى ألخطوط ألخلفية في محاولة فاشلة أسفرت عن مقتل 20 مَن ألمقاتلين ألإرهابيين و تَدمير آلياتهم ..!
من جهة أخرى ، متحضرآ للتقدم كرس ألجيش ألسوري خط ألجبهة ألجديد مانعآ ألمجموعات ألمسلحة من تَنفيذ هجمات إرتدادية تمكنها من إحداث خروقات لا سيما بعد فشلها في إمساك مواقعها و خسارتها خطوط إسنادها ، و في غطاء جوي لوحداته شن ألطيران ألسوري مدعومآ بطائرات ألسوخوي 24 ألروسية يوم أمس عدة غارات أسفرت عن مقتل جنديين أتراك و إصابة ثمانية آخرين بجروح مما رفع عدد ألقتلى ألأتراك مُنذُ بَدء ألمواجهات إلى 16 .. في حين أكدت ألقيادة ألتركية في بيان لها تحييد (مقتل) 50 جنديآ سوريآ و تدمير عدد من ألمدرعات و ناقلات ألجند و مدفعية هاوتزر .. كما ترافقت ألعَمليات ألحربية مع موجة نزوح من مناطق ألتوتر بمئات ألآلاف من ألسكان ألسوريين مما فاقم من معاناتهم و تردي أوضاعهم ألإنسانية .. – توضيحآ ألسرد ألعسكري أعلاه مرتبط بمتغيرات ألمَيدان و حجم ألعمليات أمر ضروري -..!
توازيآ ، إعتبرت ألقيادة ألروسية ألتَدَخُل ألعسكري ألتركي أمرَآ غَير محمود ألعواقب و دعت أنقرة إلى «الكف عن دعم أنشطةألعصابات ألإرهابية و مدّها بالأسلحة»، بألمقابل تمثل ألإرتباك ألتركي من خلال تصريح وزير الدفاع خلوصي آكار عن طلب بلاده من ألولايات ألمتحدة شراء بطاريتي صواريخ Patriot لنشرها في ولاية هاتاي بِما يكفل تحليق مقاتلات F-16 و إجهاض زحف قوات ألنظام نحو إدلب و ضمان تحييد سلاح ألجو ألروسي ، في نفس ألوقت أعلن نيته تفعيل منظومة ألصواريخ ألدفاعية ألروسية S-400 ألتي سَبَقَ و حصلت عليها أنقرة من روسيا ..
ما هي إستراتيجية ألرئيس أردوغان ألقديمة ألجديدة في سوريا ؟ هل ينوي ألإنزِلاق نحو مواجهة عسكرية مباشرة مع روسيا دون تقدير ألعواقب في ظل تحرير ألجيش ألسوري ألمزيد من ألأراضي ؟ ..
مما لا شك فيه أن طموحات إعادة ألسيطرة ألعثمانية على بعض أو أجزاء من دول ألإقليم أمر متعذر بألقوة ألعسكرية إن لم يكن مستحيلآ لكن ألإنكفاء أيضآ عن فرض تركيا نفسها لاعبآ إقليميآ ذو مصالح جيوإستراتيجية سيؤدي مستقبلآ إلى دفع ثمن باهظ ، أما سياسة ألقضم على ألقطعة فخيار آخر ممكن و معتمد من ألرئيس ألتركي :
•هو يعتبر و أعلن أليوم أن سياسات و مصالح بلاده في سوريا و ليبيا ليست مغامرة و لا خيارآ عبثيآ ، كما أن تواجد قطعه ألحربية ألبحرية شرق ألمتوسط هي لحماية سفن ألتنقيب عن ألنفط و ألغاز ..
•أن إتفاقية آضنة ألأمنية ألموقعة عام 1998 بين ألحكومتين ألتركية و ألسورية هو ما يريد ضمان إستمراريته و تثبيته بعد ألتحالف ألإستراتيجي ألروسي – ألسوري و ألتموضع ألعسكري ألروسي ألضخم مع فائض ألقوة في سوريا ..
•مواصلة عَملية ألتتريك في ألشمال ألسوري و ألمنطقة الآمنة ألمستحدثة بشكل ممنهج ألأمر ألذي يسمح بإستعمار مُقَنَع أو وضع يد غير مباشر مستقبلآ ..
•ألقضية ألكردية و ألإستقلال ألذاتي للإقليم مصدر قلق تاريخي دائم يَفرُض مواجَهة دائمة مع ألفصائل ألكردية ألمدعومة حَاليآ من ألولايات ألمتحدة ألأميركية ألتي تعتبرها ألأخيرة عصب حربها على تنظيم ألدَولَة الإسلامية “داعِش” و ألمُنَظمات ألإرهابية ألرديفة ..
•ألتمدد ألتركي نحو ألشمال ألأفريقي و ليبيا تَحديدآ أخذ أولى خطواته عبر معاهدة أنقرة ألموقعة مع رئيس ألحُكومَة ألليبية عبد ألحميد ألسراج و ألقيادة ألعسكرية ..
•أزمة ألنازحين ألسوريين و أللاجئين ورقة دائمة يساوم عليها و يلعبها مع أوروبا ابتزازآ و مع روسيا بِهَدَف ألضغط عليها لوقف ألعمليات ألعسكرية من هذا ألمُنطلق “ألهَم” أبدى ألرئيس ألفَرنسي إيمانويل ماكرون و ألمستشارة ألألمانية أنجيلا ميركل رغبتهما أول من أمس بعقد قمة رباعية تضم ألرئيسين ألروسي و ألتركي بهدف وقف ألمعارك و بألتالي ألحَد من نزوح ألمدنيين ، لكن لا إهتمام روسي بهذا ألإقتراح حتى ألآن .. (وفق مستجدات أليوم ، فإن ألرئيس بوتين وافق على عقد ألقمة ألرباعية في 04 آذار ألمقبل).!
في مقاربة إستقرائية ؛ لن ينفك ألرئيس ألتركي من أللعب على عدة حبال محاذرآ حتى إشعار آخر حافة ألهاوية فرغم تناقض مصالحه مع واشنطن و حصوله على أل S-400 ألروسية يناور بشراء منظومة Patriot ألأميركية ، في إبتزازه أوروبا بورقة أللاجئين يتلقى دعمآ أوروبيآ ماليآ دائمآ ، في تهديده رَفع يده عن منع ألإرهابيين من ألعودة إلى بلادهم ألأوروبية إرغام لحلف NATO تأمين أللوجستية بألصواريخ عند ألحاجة ، في تحالفه ألإستراتيجي ألغير مكتمل دائريآ مع روسيا يعتبر أن هامش مواجهة عسكرية جزئية أمرَآ متاحآ و في عقله أرجحية مؤكدة بتفادي ألوصول إلى إشتباك ميداني شامل و مباشر معها و على هذا ألأساس يحاول مُتابعة ألمحادثات و يعتبرها (ليست دون جدوى) و أنها حققت تقدمآ لكنها لم تسفر عن قرار نهائي و حاسم في ظل إستياء روسي واضح من أداءه ..! إذ أن موسكو تصر على موقفها بإنسحاب ألقوات ألتركية من إدلب و إخلاء مواقع ألمُراقبة ..!
بألمقابل حرص وزير ألخارجية ألتركي مولود جاويش أوغلو على ترطيب ألإجواء ديبلوماسيآ معلنآ :
“أن هنالك قدرآ كبيرآ من ألتقارب مع موسكو ، لم يحدث أن فرضت روسياخريطة علينا. تبادلنا وثائق تعرضوجهات نظرنا»… الرئيس الروسيفلاديمير بوتين أكد على ضرورة اتخاذإجراءات فعّالة لتحييد الخطر الإرهابيفي سوريا .. و في بيان صادر عن الكرملين أشار إلى أن اتصالاً هاتفياً جمع بوتين معنظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون و ألمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل شددخلاله على سيادة سوريا و وحدة أراضيهاأما ميركل و ماكرون فأبديا استعدادهماللقاء الرئيسين الروسي والتركي من أجلإيجاد حلّ سياسي للأزمة ألسورية”..!
في سياق متصل ، بعد طول إنتظار و قبل لقاء مأمول لا يزال مؤجلآ بينهما أجريت مساء أمس محادثة هاتفية بين ألرئيسين بوتين و أردوغان لم تثمر وقفآ للعمليات ألعسكرية بصورة فورية حيث أختتم بيان ألكرملين ألمقتضب بعد تأكيده ضرورة إحترام سيادة سوريا و وحدتها بِعبارة (إن ألجانبين إتفقا على مضاعفة ألتَواصُل و ألتشاور لا سيما عَبرَ ألقنوات ألعسكرية)..!
خِتامَآ ، في ظل إستراتيجية (فائض ألفوضى) ألمعتمدة تمر محافظة إدلب بريفها و سكانها في أسوأ أزمة إنسانية ، إذ يشكل ألتَدَخُل ألعسكري ألتركي عاملآ مفاقمآ لحدة ألصراع سواءً من خلال دعمه ألمجموعات ألمسلحة أو في مواجهته ألمباشرة مع ألقوات ألسورية .. بات من ألمؤكد أنه لا يمكن إنهاء ألأزمة سوى بدحر ألمجموعات ألإرهابية و ألفصائل ألجهادية ألموالية لتركيا أو ألمعارضة للنظام من آخر معاقلها بشكل تام و إستكمال إنتشار ألجيش ألسوري على كامل تراب ألدَولَة ، إضافَةً إلى أن إستمرار ألمعارك سيزيد عدد ألنازحين مِنَ شمال غرب سوريا و من معاناتهم في ظروف مناخية قاسية كما سيستنزف قدرات دول ألجوار ..!
في بلوغ خط ألنهاية ؛ من ألواضح أن موسكو لن تسمح بتكرار سيناريو معارك (درع ألفرات و غصن ألزيتون) ، هي تعتبر أن العملية ألعسكرية ألتركية في إدلب ستكون “ألسيناريو ألأسوأ” لكنه ألأخير ..!
———–
بيروت في 23.02.2020