السودان في عين العاصفة…
الأزمات في السودان مُتجذرة منذ ألإستقلال نتيجة تركة ألإستعمار ألثقيلة ، إنعدام الإستقرار السياسي و الاجتماعي ، توالي الانقلابات العسكرية و الانتفاضات الشعبية ، ألتدخلات و ألعداء مع بعض دول ألجوار “أثيوبيا ، أريتريا ، تشاد..”إلخ .. و هو ما زال يعاني من ضعف ألسلطة ألمركزية و تلاشي حكم القانون ، إضافة إلى انتهاكات متمادية لحقوق الإنسان ، كما زاد من تفكك أوصال الدولة إنفصال جنوب السودان عام 2011 ،، في حين تشهد أقاليم دارفور ، جنوب النيل الأزرق و جنوب كردفان حروبآ أهلية دامية ..!
من جهة أخرى، تعاني ألشرائح ألشعبية على إختلاف طبقاتها من فساد مستشري في أجهزة ألدَولَة ، تدني مستوى ألمعيشة ، إنعدام الخدمات الأساسية الضرورية و ألرعاية ألصحية ، إضافةً إلى تفشي المجاعة والأوبئة الفتاكة في مناطق متعددة من ألريف ألسوداني مما فاقم موجة ألهجرة و نزيف ألأدمِغَة …
في سياق مُتَصل ،، لم تتمكن ألحكومات ألمتعاقبة من إيجاد حلول جذرية لهذه ألمُشكلات و قد أدى ذلك إلى إنهاك مؤسسات المجتمع المدني و فقدان الثقة و ألأمل بِألإصلاح ، مما دفع ألناس تلقائيآ إلى ألتمسك بجذورهم ألقبلية فَتَسَيَد حُكم ألعشيرة و تلاشت فرص ألتطور و ألنهوض لا سيما في ظل التعدد ألديني و الأثني و ألخِلاف حول أللغة ، ألثقافة ، ألتعليم و ألإنتماء إلخ ،، و بألتالي على هوية ألسودان عربية أم أفريقية ؟؟ إضافة إلى مَيلٍ واضح نحو ألإسلام ألسياسي فَأصبح تصدع ألدولة و تفتت الكيان أمرآ غير مستبعد …
ألسؤال حاليآ هل بألإمكان ألخروج من ألواقع ألسياسي و ألإجتماعي و ألإقتصادي ألمأزوم ..؟
و هل أن ما يحصل إستنساخ لما سُميَّ ألربيع ألعربي ..؟
لا شك أن ألرئيس البشير يحظى بدعم من بعض دول ألخليج منذ وقوفه في صف ألمملكة ألعربية السعودية خلال حرب أليمن و ألتحديات ألإقليمية ألتي تعرضت و ما تزال تتعرض لها ألمملكة ،، لكن هذا ألدعم لا يُقَرَش في ألداخل ألسوداني ، خاصة أن ألأزمة ألإقتصادية مستفحلة و علاجها يحتاج الى ألكثير بِدءآ بمحاولة جذب ألإستثمارات و ألتخلص من ألمديونية ألمتراكمة التي تصل إلى حوالي 70 مليار دولار بمعظمها ديون خارجية ، هذه ألقفزة ألإقتصادية لم يعد بألأمكان تحقيقها في ظل حكم عمر ألبشير ألذي قبض على زمام ألسلطة عام 1989 في إنقلاب عسكري مدعوم من ألإسلاميين في حينه ، في ظل شبه عزلةٍ دولية يعاني منها نتيجة تورطه و إتهامه بإرتكاب جرائم حرب …!
تتضاعف ألتساؤلات حول ألهدف من زعزعة إستقرار ألسودان فَألخوف هو ألإنتقال من ألسيء إلى ألأسوأ ..؟ و مَن هوَ أللاعب على مسرحه خلف ألستارة ..؟
ألمستفيدين كُثُر و ألخصوم أيضَآ ،، مصادر مقربة من مديرية ألأمن و ألإستخبارات في ألخرطوم تشير ألى أن قوى أليسار ألمناهضة للحكم كألحزب الشيوعي و حزب الأمة القومي و حزب المؤتمر الشعبي إضافةً إلى منظمات إنفصالية متعددة تشكل رأس حربة ألمعارضة لتطبيق مشروع ألسودان ألجديد ،، بألمقابل هذه ألإتهامات لا تستطيع أن تبرر أو تغطي ألواقِع ألبائس ألذي يعيشه ألشعب ألسوداني و حقه في ألحرية و ألديمقراطية و سعيه إلى ألعيش ألكريم ،، بغض ألنظر عن ارتباط مصالح بعض القوى السياسية بالدوائر الخارجية ..
و تحت عنوان : “القوات المسلحة لن تسمح بسقوط الدولة”،، أصدر الجيش السوداني الأربعاء أول من أمس بيانآ تضمن: “أن من يقودون الاحتجاجات يلحقون الضرر بالسودان ، و أن الذين يتصدرون المشهد في المظاهرات هي ذات الوجوه التي ظلت تعادي السودان وتشوه صورته أمام العالم ،، أضاف ألبيان أن مشاركة “القوى الشريرة” في الاحتجاجات و محاولة توظيفها فتح الباب للتخريب والفوضى وما تبع ذلك من تداعيات مؤلمة”..
لا مَفَر إذن من ألدخول في حوار وطني سواء أدت هذه ألغضبة ألشعبية إلى سقوط نظام ألبشير أو تجميله مَرحَليآ ،، فألنار ستبقى تحت ألرماد ..!
إذ بألرغم من مبادرة ألسلطات السودانية إلى تهدأة ألوَضع و إطلاقها سراح جميع المعتقلين على خلفية ألحركات ألشعبية في البلاد إلا أن موجة ألإختجاجات لم تهدأ بعد ..!
هل رحيل ألرئيس ألبشير محتوم ، من ألمبكر توقع أو حصول ذلك طالما ألقوات ألمسلحة ألسودانية ما زالت موالية لرئيس ألبلاد ألحالي بألرغم من كل شيء .. ألتغيير في حصوله ذو وجهان : رهان على إنتقال سياسي سلمي ينحو بإتجاه ألديمقراطية و مستقبل إقتصادي مشرق في سودان ذو إمكانات إقتصادية هائلة أو قفزة في ألمجهول و إنزلاق نحو حرب أهلية متجددة ..
في سِفر يَشوع-1:16 “رأس ألحكمة مخافة ألله..”
أما حكمة ألسلطة فهي مخافة ألشعب ، إذ ليس أخطر على ألحكم من الخلط بين المكر و الحكمة ،..
*عميد، كاتب و بَاحِث.