الزمن لا يُشتَرى ولا يُختَرَع .. وهو الحاضر الاكبر في الاداب العالمية
“أخبار الدنيا” – دانيا يوسف
هو في جزء منه كل الماضي، وفي جزئه الآخر كل المستقبل، وما بينهما الحاضر. نجول اليوم على هذا الوعاء الذي يحتوينا، الشاهد على ماضينا، ومحدد كل خطوة في طريقنا إلى المستقبل: الزمن. آلاف الأقوال ظهرت على ألسنة الكتَّاب والمفكرين كلها تدعو إلى الاستفادة من الوقت وملئه بالعمل والإنتاج. ولو قسَّمنا الزمن بأسره إلى ثلاثة مقاطع هي الماضي والحاضر والمستقبل، لوجدنا أيضاً تحديدات مختلفة لكلٍ من هذه المقاطع، تتنوع بتنوع ثقافة صاحب التحديد.
فالماضي هو بالنسبة للبعض الحاضر الذي لم يعد موجوداً. والحاضر بالنسبة إلى البعض الآخر هو دائماً متعب ومؤلم ومثقل بالقضايا التي تتطلب من الإنسان جهداً وعملاً لمواجهتها. والمستقبل هو دائماً مصدر قلق. قلق من المحاذير التي قد تحملها الأيام والسنوات المقبلة.
فكيف حضر الزمن في الأدب؟
السفر عبر الزمن في الرواية:
أشهر رواية كان الزمن بطلها وعنوانها هي رواية الكاتب البريطاني ويلز “آلة الزمن” التي صدرت عام 1895.
تدور هذه الرواية حول عالم بريطاني يخترع آلة تسافر به عبر الزمن إلى العام 802701 بعد الميلاد، حيث يكون الجنس البشري قد انقسم إلى قسمين: قسم متحضر وأنيق ولطيف، وقسم يعيش “تحت الأرض” في شكل متوحش ويأكل لحوم البشر.
كان النجاح الذي لقيته هذه الرواية مدوياً. وصوَّرتها السينما في فيلم بالعنوان نفسه عام 1960. ويبدو أن ويلز فتح بروايته هذه الأبواب أمام مذهب روائي جديد. فتعددت الروايات المطبوعة، أو تلك التي تكتب للسينما، وتتمحور حول شخص ينتقل عبر آلة أو فجوة في مكان ما أو حتى خزانة، إلى عصر غير عصره. سواء أكان هذا العصر عصراً قديماً، أم عصراً مستقبلياً.
الزمن: الحاضر الأكبر في الأدب
بعيداً عن روايات السفر عبر الزمن، يمكننا بسهولة أن نكتشف أن الزمن هو حاضر في الأدب والرواية بشكل أعمق من ذلك بكثير.
لقد كتب هوميروس الإلياذة والأوديسة في وقت ما يدور حول العام 850 ق.م. وفي هاتين الملحمتين الشعريتين يروي لنا هوميروس القصة الملحمية لحرب طروادة. ولكن حروب طروادة، إن جرت فعلاً، فقد جرت في وقت ما بين نهاية القرن الثالث عشر ومطلع القرن الثاني عشر قبل الميلاد، أي قبل مولد الشاعر اليوناني بنحو خمسة قرون. فهو إذن كتب عن الماضي، ترك عصره وسافر بشاعريته خمسة قرون إلى الوراء لينقل إلى أبناء عصره صورة عن هذا الماضي، أو مقطعاً منه.
وبعد تبلور شخصية الرواية في أوروبا بعد عصر النهضة، ظهرت الرواية التاريخية كلون أدبي مستقل من ألوانها. هذه الرواية التي تعود بالقارئ إلى مراحل زمنية مضت قبل قليل أو كثير، إما لمجرد أن تأخذه إلى حيث يستحيل عليه الذهاب فعلاً، وإما لتحفزه على تكوين نظرة مختلفة إلى حاضره. ومن أشهر الأسماء في هذا المجال يمكننا أن نذكر ألكسندر دوماس في الأدب الفرنسي، وجرجي زيدان في الأدب العربي الذي كتب سلسلة روايات تاريخ الإسلام الشهيرة. فمن خلال هذه الروايات يمكننا أن ننتقل بخيالنا إلى عوالم مضت، مثل عالم الخليفة المأمون، أو عالم شجر الدر: إنها قدرة الأدب على الإمساك بالزمن وتثبيته.
وإضافة إلى ما تقدَّم، هناك المذكرات واليوميات التي يلعب الزمن الهارب دوراً كبيراً في صياغتها وفي وجودها ككل. فالمذكرات هي فن استعادة مقطع زمني كامل دفعة واحدة، واليوميات هي فن جمع ما حمله كل يوم بيومه.
وأخيراً، لا يجب أن ننسى عبارة: “كان ياماكان في قديم الزمان..”، هذه اللازمة التي تبدأ بها حكايات الأطفال، وتكفي وحدها كي تكون تذكرة سفر لخيال الطفل يرحل بها بعيداً عن يومه وسريره.
الزمن في الشعر:
كان للزمن حضورا بارزا في الشعر العربي وكلنا نعرف قول أبي العتاهية:
ألا ليت الشباب يعود يوماً
فأخبره بما صنع المشيب
وهناك شعراء ممن بكوا على الشباب باكراً جداً، مثل حبيب بن أحمد الأندلسي الذي قال وهو في الثلاثين من عمره:
ثلاثون من عمري مضين فما الذي
أؤمل من بعد الثلاثين من عمري؟
أطايب أيامي مَضَينَ حميدةً
سراعاً ولم أشعر بهن ولم أدْرِ
والواقع أن الشعر العربي لم يترك جانباً من جوانب الزمن ومفاعيله واختلاف النظرات إليها إلا وعبَّر عنه. فالزمن حاضر في البكاء على الأطلال الذي كان قديماً من مستلزمات مطلع أية قصيدة.
قفا نبكِ من ذكرى حبيب ومنزل
بسقط اللوى بين والدخول فحومل
بعض ما قيل في الزمن:
• «الزمن هو أفضل الأطباء.. إنه يشفي كل الجروح».
• «الزمن هو سيد عادل. كل إنسان يمتلك عدد الدقائق والساعات نفسه في اليوم. فلا الأثرياء يمكنهم أن يشتروا ساعات إضافية، ولا العلماء بمقدورهم أن يخترعوا دقائق جديدة».
• «التحسر على الزمن الضائع هو مزيد من الزمن الضائع».