“الدنيا نيوز” – دانيا يوسف*
سعى البشر على مدى عقود إلى محاربة السرطان بأشكاله ومراحله كافة، واستُثمِرت من أجل ذلك كل الوسائل التكنولوجية المتطورة التي يمكن أن تؤدي دورًا مهمًا في هذه الحرب.
ومع التقدم الكبير في مجال صناعة الروبوتات في يومنا هذا، يسعى العلماء إلى الاستفادة منها بطرائق مختلفة في محاولة القضاء على السرطان.
الجراحة الروبوتية
يعود تاريخ استخدام الروبوتات في العمليات الجراحية إلى أواخر التسعينيات، ويزداد استخدامها في غرف العمليات يومًا بعد يوم.
يُعتمد على “الجراحة الروبوتية” للمساعدة في إزالة الأورام التي يصعب الوصول إليها، أو تقصير أوقات الجراحة، أو تقليل الآثار الجانبية على المرضى مقارنةً بالجراحة التقليدية، وذلك بفضل دقة الذراع الروبوتية ومجال الحركة الواسع مقارنة مع المجال الذي توفره الجراحة التقليدية باستخدام المنظار، الأمر الذي يتيح للجراحين العمل على الأجزاء التي يصعب الوصول إليها من الجسم وإلقاء نظرة فاحصة على الأماكن التي يصعب رؤيتها أيضًا.
فضلًا عن ذلك كله فإن “الجراحة الروبوتية” تعتمد على إحداث شقوق صغيرة غالبًا، مما يعني ألمًا أقل وفقدانًا أقل للدم وتعافيًا أسرع.
كيف تعمل هذه الروبوتات؟
لا يعني مصطلح “الجراحة الروبوتية” أن الروبوتات هي التي تجري العملية بنفسها، وإنما يشير إلى المرحلة التي يوجه فيها الجراحون الأذرعَ والأدوات الروبوتية لإجراء العملية الجراحية.
إذ تعتمد أنظمة الجراحة الروبوتية على ذراعٍ آليةٍ واحدة أو أكثر. يُوضَع منظار للرؤية في إحدى الأذرع، وينقل الصورة إلى شاشة توفِّر للطبيب رؤيةً ثلاثيةَ الأبعاد للورم، بينما تحتوي الأذرع الأخرى أدواتٍ جراحية صغيرة يمكنها أن تدخل في شقٍّ يبلغ طوله أقل من بوصة واحدة. يُتحكَّم بهذه الأذرع عن بعد بواسطة لوحةِ تحكمٍ يستخدمها جراحون متخصصون ومدربون مسبقًا على التعامل معها.
الجراحة ليست الطريقة الوحيدة لاستخدام الروبوتات في محاربة السرطان
في عام 2017 وبعد سنوات طويلة من العمل على المشروع؛ أعلن “معهد ورستر للعلوم التطبيقية” “Worcester Polytechnic Institute” في أميركا عن تمكُّن الدكتور جريجوري فيشر -أستاذ الهندسة الميكانيكية وهندسة الروبوت في المعهد- من تصميم روبوتاتٍ يمكنها العمل داخل جهاز الرنين المغناطيسي.
تكمُن أهمية الروبوتات هذه في كونها ستمكِّن الأطباءَ من إجراء عملياتٍ مهمة لمرضى السرطان داخل جهاز الرنين المغناطيسي الذي يوفر صورًا ثلاثية الأبعاد لداخل جسم المريض في الوقت الحقيقي.
وقد استخدم الدكتور فيشر القطعَ البلاستيكية وبعضَ القطع المعدنية غير الحديدية؛ كالنحاس ومحركاتًا كهروضغطية من السيراميك في تصميم روبوتاته، بالإضافة إلى تصميم وبناءِ وحداتِ تحكمٍ مخصصة قادرة على تغذية الإشارات إلى محركاتِ السيراميك بدقة عالية ودون ضوضاء كي تستطيع العمل داخل جهاز الرنين المغناطيسي دون أن تؤثر موجات الراديو أو القوة المغناطيسية التي يحدثها الجهاز فيها.
المهام التي تؤديها هذه الروبوتات؟
يخضعُ أحد الروبوتات التي طورها دكتور فيشر بالتعاون مع زملائه في جامعة جونز هوبكينز إلى تجاربَ سريرية في مستشفى بريغهام والنساء (BWH) في بوسطن ، ويُستخدَم في أخذ عينات من مرضى سرطان البروستات، إذ يساعد الطبيب في توجيه إبرةِ خزعةٍ بدقة أكبر في غدة البروستاتا التي تكون بحجم حبة الجوز بمساعدة الصور “اللحظية” التي يقدمها جهاز الرنين المغناطيسي.
وقد أدى حلول الروبوت بدلًا من الطبيب في هذه المهمة إلى تفادي مشكلة كبيرة كانت تواجه الطريقة التقليدية التي كانت تعتمد على أخذ العينة من جسم المريض اعتمادًا على التصوير “المسبق” قبل الجراحة أو على دمج الصور فوق الصوتية في أثناء العملية مع صور الرنين المغناطيسي المسبقة، ولكن هذا ليس مثاليًا أيضًا، وبالتالي تزداد نسبة الخطأ في عملية أخذِ العينات في الطريقة التقليدية. ويؤدي إدخال إبرة في الأنسجة الرخوة إلى انتفاخها وتشوهها، ويرفعُ تكرارُ عملية الحقن أكثر من مرة حتى تصيب هدفها تكلفتها ويجعل المريض غير مرتاح؛ مما يجعل الطريقة التقليدية طريقةً عفا عليها الزمن مقارنةً باستخدام روبوت دكتور فيشر الأدق والأرخص والأسرع.
السلاح الأقوى: روبوت يستهدف أورام المخ ويقضي عليها
روبوت آخر من الروبوتات التي يمكنها العمل داخل جهاز الرنين المغناطيسي عمل عليه الدكتور “فيشر” بالتعاون مع الدكتورة “جولي بيلتسيس” -أستاذة الجراحة في مستشفى ألباني الطبي (Albany Medical Center Hospital)- ومع زملائهم في مدرسة ماساتشوستس الطبية وشركة (MedSystems)؛ إذذ سيتمكن هذا الروبوت من تدمير أورام المخ باستخدام حزم عالية الكثافة من الموجات فوق الصوتية المركزة و المعالجة آليًا والموجهة بصور جهاز الرنين المغناطيسي.
إن هذا النوع من الاستئصال بالموجات فوق الصوتية طفيف التوغل من شأنه أن يتجنب بعض المشكلات التي تسببها أساليب العلاج الحالية مثل؛ العلاج بالأشعة وجراحة الدماغ المفتوح. الطبيعة المركزة لحزم الموجات فوق الصوتية التي تستطيع تدمير الأنسجة عن طريق تسخينها ، إلى جانب التصوير بالرنين المغناطيسي الذي يستطيع إنشاء خرائط حرارية في الوقت الحقيقي للتأكد من وصول الكمية المناسبة من طاقة الموجات فوق الصوتية إلى المكان الصحيح تمامًا، والموضع الدقيق الذي يوفره الروبوت، ينبغي ذلك أن يسمح للجراحين باستهداف الأورام غير المنتظمة بدقة وعلى نحو كامل دون الإضرار بالأنسجة السليمة من حولهم.
هذا الروبوت الذي أصبح النموذج الأولي منه جاهزًا على نحو كامل، من المتوقع أن يبدأ استخدامه في التجارب السريرة في بضع سنوات قليلة؛ إذ وضع معهد NIH خطةً لتمويل البحث ب 3 مليون دولار على خمس سنوات.
دعامة رقبة روبوتية “قابلة للارتداء” تساعد في تحليل آثار علاج السرطان
يُعد سرطان الرقبة والرأس سابع أكثر سرطان انتشارًا في العالم وفقًا لإحصائيات عام 2018، مع 890.000 حالة جديدة و 450.000 حالة وفاة تمثل 3٪ من أنواع السرطان جميعها، وأكثر من 1.5٪ من وفيات السرطان جميعها في الولايات المتحدة.
ينتشر هذا السرطان في العقد اللمفاوية في الرقبة، ويحتاج الأطباء إلى إستئصال هذه العقد جراحيًّا أحيانًا ذللتقليل من انتشاره، ولكن قد تؤدي هذه العمليات إلى ألم وتيبس في الكتفين والرقبة لسنوات بعد ذلك.
التقنيات والأدوات الحالية التي يستخدمها الأطباء لمعرفة نطاق الحركة التي قد يفقدها المريض في رقبته وكتفيه بدائية إلى حد ما، فهي إما تقدم قياسات غير موثوقة أو تحتاج لكثير من الوقت و المساحة حتى نستطيع استخدامها في المعاينة السريرية الروتينية.
ولذلك طورت مجموعة من الباحثين في جامعة كولومبيا للهندسة وزملائهم في قسم طب الأنف والأذن والحنجرة بجامعة كولومبيا في عام 2021 دعامةَ رقبة روبوتية يمكنها مساعدة الأطباء في تحليل تأثير علاج السرطان في حركة رقبة المرضى وتوجيه عملية شفائهم.
واستخدم الباحثون هذه الدعامة الروبوتية، بالإضافة إلى القياسات الكهربائية لنشاط العضلات، لمقارنة حركة الرقبة لخمسة مرضى بالسرطان قبل شهر واحد من الاستئصال الجراحي للغدد الليمفاوية في الرقبة وبعده.
ووجدوا أن الدعامة كانت قادرة على تحديد التغيرات في حركات الرقبة للمريض على نحو دقيق في أثناء فترة العلاج الروتينية.
وتُعد هذه الدعامة الأولى من نوعها، فهي تستطيع تمييز مجال حركة الرأس والعنق كاملًا؛ مما يجعل هذا العمل تقدمًا مهمًا في علاج السرطان.