الرابع من آب، شعلة حب لا تنطفيء..!
بِقَلَم العميد مُنذِر الايوبي.
في اليوم الثاني بعد ذكرى عام على الفاجعة، ثبت ألأجر تفرق الجمع وبقي الظمأ الى الحقيقة.. جفت الدموع في المآقي والْعُرُوق.. الحطام استوطن الشوارع والزوايا، اما الحجارة فتكاد تشير الى الجناة غضبآ من تقصير… مضت الذكرى في حرقة مُرَةٍ مرة اخرى، اهل وابناء واشقاء قدسوا وصلوا ورنموا متطلعين الى سماء مغبرة سوداء، ناظرين الى ارواح الضحايا بشغف الشوق وبالاصرار على الحق والقصاص..!
بدت المدينة المنكوبة تستذكر الفاجعة كشخصية مريضة، اصابة بالغة بانفصام Schizophrenia رهيب مع اضطراب نفسي “ثنائي القطب” BiPolar.. اهل الضحايا في غير جهة ومكان غارقين في حزنهم وصلواتهم وبعض آخرين من تشكيلة احزاب وجماعات او مجموعات، سواء ارادية الفعل اعتادت طريقة التعبير ام مدسوسة ملقمة عقائديا او استخباراتيآ النهج التخريبي والاهداف المرسومة الموسومة الخ.. كلاهما تسيدا الشوارع، على اعتبار التوقيت والذكرى مناسبة استقطاب لمؤيدين كما رفع صك براءة الذمة فوق رؤوس الضحايا عن اربعين عاما مضوا من فساد وافساد ورياء.. إستغلال صفيق مبتذل وضيع مغلف بمهرجانات خطابية بنكهة الايديولوجيا، تَنتَهي غالبآ بالفوضى والتخريب، بعد تذوق مسرحي لتشكيلة من قنابل الغاز المسيل للدموع ثم ضرورة الاستحمام بمياه غسولة ينابيعها عاقرة تضخها خزانات آليات قوى حفظ الامن والنظام..!
كانت اعراض الذهان بادية مع هوس خفيف ونوبات اهتياج غير طبيعية، نتاجها اعمال طائشة وغير مسؤولة او مدروسة العواقب. اهالي الضحايا منهم من فُرِض عليه السير في القيظ الى باحة الذكرى، وآخرين سال دمهم على الارصفة من رعاع ترفع رايات وترعاهم زعامات..
السادسة وسبع دقائق استيقظ الحزن دون غفوة في ارتجاع نادر، البحر هاديء خجول يوشوش الشاطيء ساجدآ امام مرفأ الكارثة.. الحر شديد يوم ثقيل الوطأة.. شمس محرقة كوهج الحقيقة و سعير يلفح القتلة دون حضور.. بدا المغيب في الافق ضباب السراب، سواد الارصفة وانبعاجات الرافعات والمستوعبات نُصُبٌ ملون مغمس بالسخام وسيل الدماء..!
من اين الطريق ..؟ إنتهت المناسبة الذكرى الكل يغادر وفي احضانهم صور اكثر من مئتي شهيد..! الهامات مستوحشة “الهامة طائر خرافي يطالب بالثأر من القاتل” تحوم سائلة عن الحقيقة والقصاص لا الثأر.. في تراجيديا Hamlet للعظيم Shakespeare، يظهر شبح أبيه المقتول قاصّاً عليه سر مقتله طالباً الثأر حتى تنطفئ ناره..! انها ارواحهم تطوف الثريا إناء الليل واطراف النهار، تتضور جوعآ وتتقلب في اللهب تسرد القصة بغصة التجهيل، عسى ان تجف الدماء الفتية فلا يُهمَل القتلة..!
الحصانات باتت مسألة وجودية، في قيمتها المهيمنة شعور بفقدان البوصلة والارتباك، تحصيل تجرد بالدرجات الدنيا يدعو للشفقة Médiocre مع انعزال عبثي وبُعدٍ عن التجربة الانسانية المتحسسة هول الكارثة.. غمغمة مواد قانونية او دستورية سيان، لا مفهومة فيها من ترداد الصدى شبه حشرجة..!
في وعي فلسفي عميق ومحسوس مع نظرية J.P Sartre ان مأساتنا الوجودية سبق الجوهرية.. ومن بعض تأمل، انهم ضحايا شرور صنف بشري مختلف.. كائنات حية مستقلة حرة مسؤولة وواعية، في غيابهم الابدي وجوديون يخلقون وبعبرون عن جوهرهم الحقيقي الغير اعتباطي وقيمهم الخاصة، محددين معنى استشهادهم بقيامة لبنان بعد خراب.. يكفي ان امنية “الحصانة” Immunity ايمان سيء، البشر يُعرَفون بناء على افعالهم، في قسوتهم واللامبالاة تركيبة بيولوجية تؤطر طبيعتهم البشرية..!
في التحقيقات؛ لا شرود عن الواقع مهما تعددت المسالك، لكل قاضٍ نهجه الحق،، “كل الدروب تؤدي الى روما”.. لا داعٍ للماورائيات Metaphysics انها جريمة العصر، لا فلسفة في الصيرورة والكينونة نسبة للمعان الحق ووضوح الحقيقة ..! الاساس المعرفي تفكير جلي تحليلي مبني على توأمة الشهادات والادلة؛ اتساق لهيكلية الملف الجرمي، خلو من التناقضات، مؤداه الى خواص ومضمون القرار الاتهامي. لب القضية كشف واعلان ما جرى، مع بيان مفردات الموهبة والكفاءة واداء مستوردي ومصدري ومستخدمي الامونياك المتفجر. هامٌ تبيان مدى الصلاحية المكانية Topology وخصائص المتباينات الكيميائية للتخزين لتحديد النية الجرمية، أٰ معرفة قصدية ام جهل متعمد او غباء مستفحل ..!
خِتامَآ؛ في الانتظار مأزق نفسي حاد تسقطه فلسفة الاستعداد المادي الاخلاقي الروحي والفكري للحقيقة.. لا انتقال من فراغ الى فراغ.. الايمان بالعدالة والنتائج تخندق في الشهامة والوعي والاقتناع… في الانتظار اقتدار، طهر رفيع لا تَقَبُل هزيمة… خوض جهاد في الصبر دون اليأس شعلة حب لا تنطفيء لمن استشهدوا..!
بيروت في 06.08.2021