الرئيس بوتين 2019..!
بِقَلَم ألعَميد مُنذِر ألأيوبي*
ألخميس 19 ألجاري و كألمعتاد في نهاية كل عام ، عقد ألرئيس ألروسي فلاديمير بوتين مؤتمره ألصحفي ألموسع بحضور أكثر من 2000 مراسل و صحافي بألتزامن مع بث مباشر عبر وسائل ألإعلام ألمرئية و ألمسموعة بما فيها ألمواقع ألإخبارية ألإلكترونية تمحور ألمؤتمر حول قضايا روسيا ألإتحادية ألمحلية مِن ثُم ألمشكلات ألإقليمية و ألدولية تِباعَآ كَما تناول ألصراعات ألعسكرية و إنتشار ألقوات ألروسية كذلك ألإستراتيجيات ألمعتمدة في ألسياسة ، ألإقتصاد ، ألطاقة إضافَةً إلى ألتكتلات ، ألأحلاف ألدولية و ألتهديدات ألمحتملة ثُم أجاب على أسئلة ألصحافيين ألمعتمدين لَدى ألكرملين و آخرين من مختلف وسائل ألإعلام ألعالمية ..!
من جهة أخرى ، يُعتبر هذا ألمؤتمر ألصحفي ألسنوي شبيه مِن حيث الشكل و ألتبويب مع ألخطاب ألَذي يلقيه ألرئيس ألأميركي كُل عام أمام ألكونغرس في مبنى ألكابيتول عن حالَة ألإتحاد و حَال ألأُمَة وألتصورات ألمُستَقبَلية و ألأولويات الوطنية للولايات ألمتحدة ألأميركية ..!
في سياق متصل ، كان لافِتَآ في ألتوقيت و ألمضمون إبداء ألرئيس ألروسي رأيه و تطرقه إلى ألمسألة ألإيديولوجية في تأسيس و بناء دولة ألإتحاد السوفياتي قائلآ : “اليوم، من وجهة نظر تجربتي الحالية أدرك أنهبالإضافة إلى المكون الإيديولوجي هناكأيضًا مكونات جيوسياسية لم يتم أخذهافي الاعتبار تماما عند بناء دولة الاتحادالسوفييتي ، كل هذا كان مسيّسًا جدًا فيذلك الوقت و عندما بدأ الحزب فيالانهيار بدأ كل شيء ينهار أيضا و أضافبوتين: “هذا خطأ، خطأ مطلق و أساسيفي عملية بناء الدولة“.
ألتعليق في بعده ألتحليلي ألسياسي و ألإيديولوجي ألصادر عن ضابط ألاستخبارات ألسابق و ألمخضرم زمن ألحقبة ألسوفياتية يمكن مقاربته أنَ نوعآ من ألتوازن ألمقرر Correlative Conjunction عَبرَ ألمزاوجة بين أداء ألحزب ألشيوعي و قرارات أللجنة ألمركزية و بين خطة بناء و تحديث ألإتحاد ألسوفياتي دونَ ألأخذ بعين ألإعتبار ألجوانب ألجيوسياسية ، تعدد ألقوميات ألعرقية ، ألأثنية و ألدينية كان خطآً جسيمآ ساهم أو أفضى إلى تفتت و إنهيار ألدَولَة فور تفكك ألثقل ألإيديولوجي Idiological Weightiness لنظام ألحزب ألحاكم و ألنمط ألإشتراكي ألمعتمد توازيآ مَع ألسلوك ألإلحادي أو ألعلماني ألمجتمعي ألمفروض ..!
أما في ألدائرة ألأمنيَة ألمقفلة ألمتمثلة بجهاز أمن ألدَولة – ألإستخبارات ألَذي يُعتبر درع و سيف ألثورة ألبلشفية و ألحزب ألشيوعي بألتالي أسس و عناصر ألنظام فقد كسرت حلقتها عام 1991 بَعدَ تورط مدير ألإستخبارات في حينه فلاديمير كريتشكوف في ألمحاولة ألفاشلة لإغتيال ألرئيس ميخائيل غورباتشوف تبعها حل ألجهاز بألتزامن مع إنهيار ألدولة ألسوفياتية ..!
إستطرادآ ، هذا ألنقد ألذاتي لمسار ألإتحاد ألسوفياتي يأتي من ألرجل ألأول في روسيا أليوم و من مدير خدمة ألأمن ألفدرالي في جهاز أل KGB ذو ألدور ألفعال في صلب ألدَولَة ألعميقة و ألنظام ألحديدي آنذاك ؛ كما يتماهى كَمُحَفز عن قَناعة مع ألإستراتيجيات ألَتي عمل و يعمل على أساسها ألرئيس بوتين في سعيه ألمستدام لتحقيقها بِدايَةً من خلال بناء ألدَولَة من ألداخِل بألتوازي مع إرساء قواعد حكمه ثم نجاحه في إستعادة مكانة روسيا ألإتحادية ألإقليمية و ألدولية لَيسَ كوريثة للنظام ألسوفياتي فحسب و إنما كإمتداد لروسيا ألقيصرية و هويتها ألإمبراطورية ..
إذ بين فترتين رئاسيتين غَيرُ متواليتين بدأت ألثانية عام 2012 تمكن ألرئيس بوتين من إستعادة عدة دول سَبَقَ و إنفصلت عن ألنظام ألشيوعي كان من أهمها شبه جزيرة ألقُرم Crimea ثم أفرد مظلة ألحماية ألعسكرية ألغير ألمباشرة على ألعديد من ألدول ألحلفاء “فنزويللا ، كوريا ألشمالية إلخ…” و لم يتردد في دفع أسطول ألبحر ألأسود من قاعدته في ميناء “سيفاستوبول” Sevastopoli للرسو في قاعدته ألجَديدة “أللاذقية” على ألساحل ألسوري حازمآ في أنتشار ألقواعد ألبرية و ألجوية للجيش ألروسي عَلى ألأراضي ألسورية بعد تحرير معظمها من ألتَنظيمات ألإرهابية ، كما بدت حزمة ألمعاهدات و ألتحالفات و ألشراكات ألدولية ألإقتصادية و ألتجارية ألتي أسستها أو شاركت بها موسكو هامة موثوقة للأطراف ألمتحالفين فهي بنيت أساسآ على صدقية ألقيادة ألروسية و إلتزامها و إحترام تواقيعها ..
على صعيد آخر ، في ترجمة رؤيته ألإستراتيجية لروسيا ألمؤثرة عمد إلى تطوير مخالب ألقوة ألعسكرية ألهجومية ليس إبتداءً بألمنظومات ألصاروخية ألدفاعية S-400 و لا إنتهاءً بصواريخ “أفانغارد” ألفرط صوتية Avangard hypersonic missile system ألمخيفة بألتزامن مع توطيد منظومات ألقوة ألجيوسياسية من خلال ألهيمنة على أسواق ألطاقة ألعالمية متمثلة بشبكة أنابيب الغاز سواء عَبرَ ألقارة ألآسيوية شمالآ و وسطآ – نَحوَ ألصين أنبوب Power Of Siberia – أو عبر تموين جزء كبير من دول شمال و غرب أوروبا و تركيا بواسطة أنبوبي ألسيل ألشمالي 1-2 North Stream-Transgaz .. و من ألمؤكد أنَ مخطط “طريق ألحرير ألجديد” ألممتد من إيران مرورآ ب ألعراق و سوريا حَتى ألساحل أللبناني سيكون موضع ألتنفيذ في ألوقت ألمناسب ..!
من هذه ألمنطلقات و بحضوره ألحازم أعاد ألرئيس ألروسي تشكيل ألنظام ألعالَمي ألجديد مؤكدآ على إرساء ألثنائية ألقطبية في إدارة ألكَوكَب مرسخآ ألميزة ألسياسية ألتفاضلية Political Differential Advantage لروسيا على ألمَسرَح ألدولي مقارنة بأداء ألرئيس ألأميركي دونالد ترامب ألمتناقض في كثير من ألأحيان مع إستراتيجية ألدولة ألعميقة في واشنطن و ألمرتجل أحيانآ أخرى بعنجهية لافتة و بسعي نحو شعبوية ضحلة ..
ختامآ ؛ لم يُلقِ ألرئيس بوتين عباراته جزافآ أو إرتجالآ و يمكن بألتالي أستنتاجآ ألقول أن ألإيديولوجيا بأثقالها و بتنوعاتها ألفكرية أو ألسياسية أو ألدينية لم تعد بقعة ألضوء في عالمنا أليوم ، كما لم يعد بإمكان ألدول تجاهل ألوقائع ألجيوسياسية و ألإستراتيجية عَبرَ ألتمسك أو ألرضوخ لمباديء غير قابلة للتزعزع أو ألتغيير ؛ هو ألتاريخ أثبت أن ألإيديولوجيات بوصفها ألنسق ألكلي لِلأفكار و ألمعتقدات لَيسَت وهمآ لكنها قَد تتقهقر أمام ألإستراتيجيات و عَلَيه فإن روسيا أليوم في مَسار ألصعود لا مكان للتراجع أو ألعودة بألتاريخ إلى ألوراء ..!
بيروت في 28.12.2019
*عميد،كاتِب و باحث.