“الخواص” رواية تلامس ألم الفلسطيني وتمسكه بأرضه
“الدنيا نيوز” – دانيا يوسف*
الراوي: تحمل الرواية لمؤلفها حافظ البرغوثي اسم “الخواص” وهو احد بل ابرز المقامات الموجودة في قرية دير غسانة، تلك القرية الواقعة الى شمال غرب رام الله، والتي ولد الكاتب فيها ولا يزال يعيش فيها أيضا. والخواص كما جاء على لسانه في الرواية:
حافظ البرغوثي:” أنا العبد الفقير لله ابراهيم الخواص، خلقت في ارض مصر المحروسة، ما ان وعيت الدنيا وانا اعمل في الخواص، اقطعه وانسج منه ملالا وقفافا ونبني منه مراكب.. وذات يوم جاء داعية للجهاد يحث الناس لنجدة بيت المقدس والسلطان نور الدين زنكي.”
الراوي: وهكذا جاء “الخواص” الى فلسطين واستقر على رأس تلة يراقب جيوش الفرنجة وينقل اخبارهم الى المجاهدين الى ان توفاه الله ودفن في قمة تلك التلة في دير غسانة، ثم بني مقام على قبره زمن المماليك مع ما بني من مقامات اخرى في أماكن اخرى في نفس تلك الفترة. ليحيك الخيال الشعبي حول الخواص الكثير من الكرامات والمعجزات التي لا تزال الاجيال تتناقلها كما جاء في الرواية.
افظ الرغوثي: “أهديت عملي هذا الى سدنة الارض وقرابينها، فمحور الرواية هو الارض، والفلاحون الذين يفلحون هذه الارض، ويجبلون تربتها بعرقهم، وهم أيضا الذين يدافعون عنها، ويضحون بأنفسهم فداء لها.
كما أهديتها الى كل العماليق، ملح الارض. والعماليق هم الكنعانيون الفلسطينيون، اول الاقوام التي سكنت فلسطين، وما انقطعوا عنها يوما حتى ايامنا هذه رغم ما تعرضوا له من غزوات، وبقوا يدافعون عنها رغم ما تعرضوا ولا يزالون يتعرضون للقتل والتدمير التخريب”.
الراوي: مع ان الرواية تحمل في طياتها جوانب من السيرة الذاتية للكاتب وتحمل ايضا جوانب من السيرة الذاتية لأبيه وجده وبعض الرجال والنساء في قريته وللشيخ الخواص، الا انها تحمل في صفحاتها سيرة قرية دير غسانة لتنسحب من خلالها الى سيرة القرى الفلسطينية بشكل عام، ومدى ارتباط الفلاح الفلسطيني بارضه، واستصلاحه لها، وزراعتها، وحمايتها والالتحام بها الى درجة الاندماج، وعدم التفريط بها مهما بلغت التضيحات ومهما غلا الثمن، وهذه التربية وهذه الثقافة يتوارثها جيل عن جيل، حتى المتعلمين الذين تبوأوا وظائف ومناصب رفيعة او غير ذلك بقي لهم ارتباط في الارض بشكل وآخر ومنهم كاتب هذه الرواية.
حافظ البرغوثي:” كما ان روايتي مليئة بالموروث الشعبي من حكايات وطرائف وامثال وأقوال تكاد تكون موجودة في كل قرية فلسطينية، ومنسوبة الى اشخاص معنيين. وزمن الرواية الممتد من أواخر العهد العثماني الى ايامنا هذه جعلني أتطرق الى بعض المفاصل التاريخية في حياة هذا الشعب. فقد تطرقت الى المظالم التي شاعت في أواخر العهد العثماني كما تطرقت الى ثورة العام 1936، والى اسباب فشلها اضافة الى نكبة العام 1948، والى هزيمة العام 1976 وصولا الى الانتفاضة الاولى والانتفاضة الثانية.”
الراوي: والكاتب الذي مر على هذه الجوانب التاريخية سريعا، تطرق الى جوانب سلبية في الثورة الفلسطينية المعاصرة، ولم يتردد في انتقادها، فهو ينتقد التنظيمات الفلسطينية التي كانت في بغداد ونفذت عدة تفجيرات صوتية في الكويت عام 1928 بهدف ابتزاز الاموال. فبينما كانت الثورة تخوض غمار الحرب كانوا يمارسون البلطجة باسمها. ويبدي الكاتب خوفه من ضياع تاريخ الوطن بعد ضياع جغرافيته لذلك فهو ينحني فوق بئر القلع قرب مقام الخواص ويطلق صرخة في البئر.
حافظ البرغوثي:”لم يبق الكثير مما يشير الى الكناعنة، فما من قبر لهم الا ونبش، وما من بئر الا وحفرت، وما من كهف الا ونهب، رموزهم وتماثيلهم واوانيهم، كلها نهبت وفخارهم تكسر والسبب ضعف الأمة وفرقتها.”
الراوي: من المفيد ان نكرر ما كتبه الشاعر علي الخليلي على الغلاف الخارجي الأخير للرواية:” الرواية من الغلاف الى الغلاف عن الارض، وما تحويه من كنوز لا تنضب، وقد توارثها الآباء عن الاجداد، وتربتها مجبولة بدمائهم، والحفاظ عليها وفلاحتها وعدم التفريط بها من الأمور البديهية غير القابلة للنقاش، وهي امر غريزي عند الانسان والحيوان، وهو يذكر في روايته قصة كلب اقتناه في الانتفاضة الاولى لحراسة الارض، فكان يمنع اي انسان او اي حيوان من دخولها ويقول في ذلك “حتى الكلب لا يفرط بالأرض المكلف بها” وما دامت الارض أمانة في أيدي الانسان فان الذي يفرط بأرضه اسوأ من الكلب واضل سبيلا.”
حافظ البرغوثي: “رسمت في آخر روايتي واقعا مؤلما لشعبي وأمتي، وأنا بذلك أنقل الواقع كما هو. فواقع الأمة يدعو الى الاحباط، فالهزائم متتابعة، والقادة يتذيلون للفرنجة على حساب الاوطان والشعوب والأمة، والخلافات كثيرة، والكل يتهم الكل، والفساد منتشر، والخيانة ديدن الكثيرين، ومع ذلك فان كل فرد يزعم انه المالك الوحيد للحكمة، فيلقي بالتهم على غيره، ويبرئ نفسه بينما الوطن نهب للفرنجة.”
الراوي: والكاتب الذي رسم هذا الواقع أبقى الباب مفتوحا امام الجميع ليفكروا كل على طريقته للخروج من الحضيض الذي وصلنا اليه كشعب وكأمة. والكاتب بهذه النهاية ليس مستسلما ولا يائسا فقد سبق وأن ذكر في صفحات سابقة ان هذه البلاد مطموع فيها من قبل القوى العظمى على مر العصور، ويعدد الأقوام والأمم التي غزتها ومنها: الاشوريون والاكديون والبابليون والفرس والحثيون، والعبرانيون والفراعنة، والاسكندر الاكبر، والاغريق، والروم والبيزنطيون والفرنجة، والمغول والعثمانيون ونابليون والانجليز.وجميع الغزاة كانت نهايتهم الاندثار.
حافظ البرغوثي: “ومهما بطش الغزاة، ومهما قتلوا ودمروا، واشعلوا الفتن والحروب الا انهم اندثروا وبقي شعب هذه البلاد فيها. هم يندثرون ونحن الابقى، نحن كما الفينيق، نبعث كل حين، فليتركوا هذه الارض تعيش بسلام.
————————————
*رئيسة القسم الثقافي في “الدنيا نيوز”.