التوازنات في الميدان السوري..
بقلم ألعميد منذر ألأيوبي*
حَالَةٌ مِن ألتَخَبُط و خَلطِ ألأوراق يَعيشُها أفرِقاء ألصِراع حُلفاء و خُصوم الذين لَهم عَلاقة بألأزمَة السورية إن لم نَقُل ألمُتورطين بها بعد قرار الرئيس ألأميركي دونالد ترامب ألإنسحاب ألسَريع و ألفَّوري لِلقوات ألأميركية من سوريا ..
“سُوريا كُلُها لَك” !! هي ألعِبارة ألتي نَطَق بها ترامب للرئيس ألتركي أردوغان خِلال مُكالَمَتهما ألهاتفية بعد ٢٤ ساعة من أعلان قَراره ألإنسحاب ، لكنها كما يقول ألمَثَل “لا تُسمِنُ و لا تُغني عَن جُوعٍ”.!!
فَلا ترامب قادِرٌ على بَيع سوريا أو وَهبِها و لا أردوغان بُقدرَتِه ألشِراء ..! لا بَل أن هَذِه العِبَارة مَجازيَة و مَزاجية تُوحي بلا مبالاة ألرئيس آلأميركي تِجاه ألأزمة ألسورية و تَدفَع رُبَما بإتجاه تَورُط أعمَق لتركيا في ألمُستنقع السوري ، مِما يَستَتبع رَفع طاقَة إنتاج مَصانع الأسلحة و الصواريخ و الذَخائِر ألأميركية لِتَلبيَة حَاجات ألسُوق ألمَحَلية و ألشرق أوسطية بِدءآ باليَمن و ألجَزيرة ألعَربية وصولآ ألى ألفُرات ألسوري-ألعراقي و ما بينهما كَيان ألعَدو ألإسرائيلي ، و هذا ما يُرضي ترامب و يَصُب في صَميم تَنفيذ سياسَته ألخارجية ألتي وَضعها بَِنفسه لِنَفسِه و ألقائِمَة على مُعادَلة : (ألحرب بألدولار = ألعقوبات ألإقتصادية” بَدَل ألمَدفع + “ألأرباح بالدولار = بيع ألحماية” بَدَل ألنَفَقات) دُونَ تَخطيطٍ أو مَشورَة ألدَولة ألعَميقة “ألإستبليشمنت” !..
قَرار ألرئيس ألأميركي كَانَ له تَداعيات على صُعُدٍ عِدَةٍ إذ أنه أطلَقَ سِلسلة إتصالات ديبلوماسية سياسية وعسكرية بين حُلفاء ألصَف ألواحد كما بَين ألخصوم مَحليين إقليمين ودوليين ، وإذا كان ألوجود ألأميركي في منطقة مَحدودة من ألشمال
والشمال الشرقي السوري مُربِكَآ لأطرافٍ مُعَينة “سوريا، تركيا، إيران ..” فإن ألإنسحاب أرَبكَ بشكل مُعاكس ألفَريق ألآخر “إسرائيل، ألأكراد، ألتحالف ألأوروبي” ،، أما روسيا فَ “تَزِن ألأمور بميزان ألذهب” كما ألمَثَل ألشائع، إذ أن جُنودها و قواعِدها مُنتَشِرة في ألمَيدان، أمنَها ألقومي أولوية مُعظَم أوراق أللُعبة ألإقليمية بيَدها و إستراتيجيتها ألشرق أوسطية لن تَهتَز …
على ما يَبدو إن قرار ألإنسحاب ألأميركي هو نِتاج صَفقة عُقِدَت سَريعآ على ألهاتف بين ترامب و أردوغان لاحَت بُنودها بشراء تركيا صواريخ “ألباتريوت” ألأميركية ب ٣.٥ مليار دولار و تأجيل “لاحقآ صرف ألنَظَر” شراء صواريخ أل “أس أس ٤٠٠” ألروسية ، ألتزام أردوغان بِحُدود ألَلعب على ألمَسرَح السوري بِمعنى عَدَم إغضاب ألرئيس بوتين و عَدَم إجتياح ألمَناطق ألكردية ، إقفال مَلَف ألصحافي ألسعودي عدنان الخاشقحي ، طَي صَفحَة ملف لطف الله غولن أللاجيء إلى ألولايات ألمتحدة ، إقرار صَفقَة بيع الطائرات ألأميركية “أف ٣٥” لِتُركيا و بالتالي تَنفيذ ترامب لِوعوده بِعودَة فتيَة المارينز إلى ألديار …
في سياقٍ مُتَصل ، لا يََعني خُروج ألفين جندي من ألمارينز ألأميركي من سوريا فِقدانآ لِهٍيبَة أمريكا و أهَمية تواجُدها الجيو إستراتيجي في المنطقة ، وإن كَانَ ألأمر بالمَنظور ألتَكتي و ألميداني يَعني تَرجيح كَفَة مِحوَر ألمُمانعة على ألمِحوَر ألمعادي لسوريا وهذا مؤكد حتى ألآن ، لكِن ألمؤكد أيضآ أن أللاعبين يُعيدونَ تَجميع أوراقهم بعد أن خَلطَها ترامب من جَديد ..!
بَعض خُبراء استراتيجيين إضافَةً إلى قِسمٍ من ألإدارة في واشنطن يَعتَبرون خُطوة ترامب هذه سَتكون باهِظَة الثَمَن على ألولايات المتحدة لا سيما لِجِهة ألتَمدُد ألإيراني و رَبط ألطريق البري طهران – دمشق، عودة داعش و ألنصرة و غيرهما إلى إعادة تنظيم صفوفهم، إلتهابٍ مُحتَمَل أو مُتَقَطِع في ألزاويَة ألسورية ألعراقية ألتركية أقصَى ألشَرق ألسوري ، أما في إسرائيل فَقَدَ إعتبر رئيس وزراء ألعدو نتنياهو في تَصريح له للقناة ألعاشرة ألإسرائيلية أن ألإنسحاب ألأميركي لا يؤثر على إسرائيل ألتي ستلجأ إلى تنفيذ عَمليات قَصف جوي خاطفة “كما حَصل ليل أول من أمس” ؟ لَكن لََم يَعُد خافيآ أنَ نتنياهو يَتَبِع سياسة ألهُروب من ألواقع ألإسرائيلي الداخلي المُفَكَك و مِن تَصَدُع ألجَبهَة ألداخلية بعد حَل ألكَنيست و ألدَعوة لإنتخابات مُبكرة لن تَكون نُزهة صَيفٍ له …
مَاذا بَعد ؟ ألأُمور حَاليآ إنتَقَلت إلى مَرحَلة تَرتيبات مَلء ألفَراغ ألمَيداني و يأتي في هذا ألإطار ألمُحادثات ألأميركية – ألتركية ألتي سَتُعقَد في واشنطن بتاريخ ألثامن من ألشهر ألمقبل لتنسيق عَملية ألإنسحاب و تَحديد نقاط تَمَركُز ألجيش ألتركي إضافَةً إلى أنتشارٍ ضِمنَ شَريط أمني على طول ألحدود ألتركية ألسورية بعمق يتراوح بين ٢٠-٣٠ كلم تقريبآ و هذا يَجب أن يَحظى بموافقة روسيا لاحِقَآ ، عِلمآ أن خِطة إخلاء القوات ألأميركية جَاهزَة للتنفيذ مِن شرق الفرات و مِنبج و قاعدة ألتَنَف بإنتظار ألضَوء ألأخضر …
من جِهةٍ أُخرى ، بَاتَ أكراد شَرق ألفرات ووحدات حماية ألشعب ألكردي في وضعٍ لا يُحسَدون عليه فَهُم على قَناعة أن شبه ألخيانة ألتي تعرضوا لها لا يُمكِن تَعويضها إلا بآلتفاوض مع ألدولة ألسورية مَلاذَهُم ألآمِن و ألعودة إلى كَنَفها برعاية روسية …
في ألخُلاصَة ،، أردوغان لَيسَ طَليق أليَدَين و دُخول ألجيش ألتركي إلى مَناطِق مُحَدَدة في ألشمال وألشرق ألسوري سَيكون مُنضَبِطآ و مؤقتآ بما لا يَستفز ألروس و ألإيرانيين ،، فألتوسعية ألعثمانية وَلَت مُنذُ سنين و ألتَوسعية ألفارسية غَير مُمكِنة كما ألسِنية ألمُتَطَرفة ألداعشية لا حَياة لها ، ألمَخاطِر كَبيرة و ألتَحديات أساسية و ألبوصَلَة يَجِب أن تشير إلى ألعدو ألإسرائيلي ، أما المِنطَقَة فَتَحكُمها تَوازُنات جيو سياسية وإستراتيجية غَير قابِلَة للتَعديل و تاريخية لا يُمكن إنكارها. فلا أحَد يُمكِنُه ألإستئثار بالكَعكة كامِلَة و في العراق و لبنان شَواهِدٌ لِمَن يَعتَبِر …
*كاتِب و باحِث في ألشؤون ألأمنية و ألإستراتيجية .