التدويل … شيطنة سياسية أم مصير اللبنانيين الحتمي؟
بقلم : نمر ابي ديب
مع تنامي منطق اللا مُبالاة في لبنان، وتمادي البعض في ممارسة سياسات اللعب على حافة الهاوية، وسط تعاظم مخيف في الأزمات السياسية والصحية من جهة و”الإقتصادية والمعيشية من جهة ثانية، ذهبت أصوات لبنانية بعيداً في مسار المُطالبة الداخلية بتغيير الواقع السياسي العام والإنتقال الفوري بالدولة والمؤسسات من مراحل إستثمار مواقع القرار اللبناني لحسابات داخلية شخصية وسياسية، إلى مراحل إخراج لبنان من وصاية الطبقة السياسية التي تتحكم اليوم في سياسة لبنان الداخلية، ذهبت بعيداً إلى حدود المطالبة السياسية بتدخل أممي في خطوة غير محسوبة النتائج يمكن من خلالها وضع لبنان الدولة بمشروعيه المُقاوم والسيادي بالمفهوم اللبناني للكلمة، على مسار الإنتقال الحتمي من مراحل الإنقسام العامودي المُتَأصِّل والمُتَجَذِّر في بُنية المجتمع اللبناني سواء على الهوية السياسية للدولة، أم على الدور الإقليمي إلى مراحل التصادم الوجودي على مساحات النفوذ المُشتَرَك في السياسة اللبنانية، وأيضاً على الإصطفاف الإستراتيجي في منطقة شرق المتوسط.
من يقرأ بنباهة المُتابع موازين القوى الداخلية إنطلاقاً من خارطة المُتغيرات الإقليمية مروراً في مساحات النفوذ الجغرافية التي تموضعت حولها وعليها مركزية القوى الأساسية الفاعلة والمؤثرة في صناعة وصياغة السياسة اللبنانية يُدرك بشكل واضح إستحالة مُرور مشاريع مُعلَّبَة ذات بعد تقسيمي سواء على مستوى الجغرافيا السياسية أم على مستوى الجغرافيا المناطقية، في هذه المرحلة الدقيقة والحساسة من تاريخ لبنان المعاصر، وأيضاً من تعاظم القوى الداخلية التي سبق وأسقطت في تموز 2006 بعضاً من مشاريع الهَيمنة السياسية على الموقف اللبناني من ضمنها خيارات التدويل في حينه ومفصلية الفصل السابع.
ما يجري اليوم على الساحة الداخلية تأكيد إضافي، على منطق اللامُبالاة التي تمايزت به مُجمَل الطبقة السياسية المُسيطرة منذ اتفاق الطائف على مفاصل البلد الأساسية، ما يجري اليوم مُكَمِّلات وراثية للأزمة اللبنانية، وجزء لا يتجزأ من منظومة الإنقسام العامودي، من سياسات عامة عكست على مدى سنوات البعد الحقيقي لأزمة وطن، وطرحت على طاولات البحث السياسي أكثر من علامة إستفهام داخلية تمحورت في مُعظمِها حول طبيعة الأزمة اللبنانية المُنبَثِقَة من فكر مؤامراتي مُتَحَكِّم منذ عقود في تقلبات المشهد اللبناني، من بيئة سياسية مُعَقَّدة حاضنة للخلافات السياسية وأيضاً للإختلافات الإستراتيجية التي فرضتها “مصالح القوى المُتَصادِمَة” على الساحة اللبنانية، محلية كانت أم خارجية إقليمية ودولية.
إنطلاقاً مما تقدم قد يكون الفشل السياسي الذي مُنِيَ به لبنان اليوم على كافة المستويات عامل تَبرِئَة سياسية لكثيرين مِمَّن ذهبوا بعيداً في رِحلَة البحث السياسي عن بدائل تتوفر فيها إمكانيات الخروج السياسي والإقتصادي من نفق الأزمة الحالية، وفي هذا تأكيد إضافي على مُمارسة سياسات الفصل بين المُطالبة الداخلية بعقد مؤتمرات دولية من أجل لبنان، والتدويل في بُعديه السياسي والعسكري.
بعيداً عن سياسات التخوين والأحكام المُسبَقَة”، يَجدُر التساؤل اليوم عن طبيعة الطروحات “التدويلية” التي من شأنها وضع لبنان الدولة بمكوناته الشعبية ومُقدَّراته الداخلية على حافة الحرب الأهلية، يجدر التساؤل عن خلفياتها السياسية وإرتباطاتها المُستقبلية ليس من باب الإتهام إنما من باب المُسائلة التاريخية لاحقاً وإبراء الذمة الوطنية اليوم في بلد قائم بالدرجة الأولى على سياسة تقاذف المسؤوليات، على التخوين، والإتهام المُتبادل.
ما بين الشيطنة السياسية التي يَمتَهِنُها البعض، ومشاريع العبث المُمَنهَج في مُسَلَّمات الصيغة اللبنانية خطوط حمر ضامنة للإستقرار الداخلي، وعناوين عريضة مُلزِمة في السياسة اللبنانية تخللها في مراحل عَديدَة سابقة أحلام تغييرية عابرة للصيغة وأيضاً للهوية دفعت من خلالها الدولة اللبنانية أثمان باهظة في السلم الأهلي، في الإدارة والإقتصاد، وأيضاً في الثقافة الوطنية والمناعة الداخلية، ما يحدث اليوم يقف من خلاله لبنان على تقاطع وجودي مُربِك حيث لا أفق حل في مسار الإنهيار المُستمر للدولة وأيضاً للمؤسسات ما يحدث اليوم يضعنا وجهاً لوجه أمام قراءة عصرية في تاريخ لبنان الحديث، بمؤثراته العملية ومُكوناته السياسية وأفراده!!! فهل من يَتَّعِظ؟؟؟
لبنان في صيغته الحالية دولة على مسار التفكك النهائي. التصادم الداخلي حتمي، وتغيير قواعد الإشتباك السياسي في هذه المرحلة ضرورة إستراتيجية لتفادي الإنزلاق الكامل نحو الفوضى القاتلة.
حمى الله لبنان.
——————
* ناشط وكاتب سياسي