البيان الوزاري…
بقلم ألعَميد مُنْذِر ألأيوبي*
في وقت بوشرت فيه ألتحضيرات لعقد ألجلسة ألأولى ألصباحية لمؤتمر مجموعة ألدَعم ألدولية من أجل لبنان في مقر وزارة الخارجية الفرنسية “ألكي دورسيه” Quai d’Orsay الواقع على الضفة الشمالية لنهر “ألسين” Seine كان ألرصيف ألشمالي ألمقابل لمبنى ألسفارة ألفرنسية “قصر ألصنوبر” في بيروت يشهد تجمعآ لناشطي ألحراك ألمدني في وقفة إحتجاجية بمشاركة فنانين و مثقفين مطالبين الحكومة الفرنسية و الأمم المتحدة أللتان ترأستا ألمؤتمر وقف مساعدات و أموال مؤتمر “سيدر” -الذي سَبَقَ و انعقد بتاريخ 06.05.2018- عن الحكومة اللبنانية ألمستقيلة لعجزها و سُقوط شرعيتها وفق كتاب مفتوح موجه إلى ألرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تلي أمام وسائل ألإعلام متضمنآ حجب القروض و الخطوط ألإئتمانية Lines of Credit -LOC إلى حين تشكيل حكومة إختصاصيين تضم وزراء من ذوي الخبرة و النزاهة تعمل على انتشال لبنان من أزمته الاقتصادية و المالية ، تُجري إنتخابات مُبكِرة بعد وضع قانون انتخابي جديد مما يسمح بإنتاج طبقة سياسية جديدة بعيدة عن ألأوليغارشية ألحاكمة متحررة من ألقيود ألطائفية تؤسس لدولة مدنية حديثة مبنية على فصل حقيقي للسلطات ألثلاث بما يضمن استقلالية ألقضاء و إستعادة ألمال ألعام ألمسلوب على مر عقود ..
كما تلي بيان آخر صادر عن ألفنانين اللبنانيين أبلغوا فيه ألرئيس ماكرون أن السلطة في لبنان بعد ثورة 17 تشرين ألأول لم تعد ألجهة ألصالحة لتمثيل ألشَعب أللبناني تاليآ هي غير مؤهلة لتلقي أية مبالغ مالية أو مساعدات و قروض ميسرة و ألتصرف بها لإهدارها المال العام و فساد معظم أعضاءها ..!
ألسفير ألفرنسي في لبنان “برونو فوشيه” ألذي يتابع مستجدات ألوضع اللبناني و الحراك الشعبي أولآ بأول أطلع وزير ألخارجية “جان إيف لودريان” على ألكتابين حيث خيم مضمونهما على أجواء ألمؤتمر مما جعل ألوفد أللبناني ألباهت ألحضور بأعضاءه من ألصف ألثاني أو ألثالث عاريآ من شرعية شعبية
و من صدقية ألحكومة أللُبنانيَة لجهة عدم تنفيذها ألإصلاحات ألتي يطالب بها ألمواطنون على تعدد شرائحهم ألإجتماعية ..! إستطرادآ لم يكن ألسفير “فوشيه” بحاجة إلى تشجيع أو حوافز لشرح ألواقع أللبناني ألمتأزم سياسيآ و إقتصاديآ و هو سبق و أدلى بعدة تصريحات أثنى فيها على الطابع السلمي للإنتفاضة مشيدآ بألحراك قائلآ : “إنّني معجب بالتزام الشبيبة القوي ، تلكالشبيبة التي قيل إنّها مستقيلة أو لامبالية و التي تظهر لنا كلّ يوم رغبتها فيبناء مستقبل أفضل لبلادها ، و من المهمأن يسمع المسؤولون اللبنانيون هذهالآمال والدعوات و تأمل فرنسا بقوّة أنتبصر حكومة لبنانية جديدة النور فيأقرب وقت ممكن لإتخاذ التدابيرالضرورية من أجل انتعاش البلاد التي تمربوضع اقتصادي مقلق للغاية″..
توازيآ ، بعد إنتهاء ألجلسة ألمسائية بمشًاركة الوفد أللبناني الذي ترأسه الامينالعام لوزارة الخارجية السفير هانيشميطلي وعضوية المدير العام لوزارةالمالية الآن بيفاني والمدير التنفيذيلدى مصرف لبنان رجا ابو عسليوالمستشارة الاقتصادية لرئيس حكومةتصريف الأعمال هزار كركلا صدر ألبيان ألختامي للمؤتمر ببنوده ألتسعة سياسيآ – إقتصاديآ بإمتياز فأتى بنده ألثاني أساسيآ بإعتباره أولى خطوات ألخروج من ألأزمة ألهاوية ليؤكد أن تشكيل حكومة جديدة فاعلة ذات مصداقية بعد ستة أسابيع من استقالة الحكومة الحالية بات أمرآ ملحآ لتحقيق رزمة الإصلاحات الاقتصادية الضرورية و الجوهرية مع الحفاظ على استقرار لبنان و وحدته و أمنه و سيادته إضافةً إلى إلتزامها ألنأي عن ألتوترات و ألأزمات ألإقليمية ألمحيطة ..
أما باقي ألبنود فرسمت خارطة طريق تفصيلية للحلول ألمالية تبدأ بإقرار موازنة 2020 مع موازنات موثوقة للوزارات ثم تعمل على ألمعالجات ألإقتصادية ألمستدامة ، ألإصلاحات ألبنيوية ، تنفيذ مشاريع البنى التحتية و ألمرافق ألحيوية بشفافية ، إنشاء شبكات ألأمان ألإجتماعي لدعم ألأسر ألأكثر فقرآ و ألشرائح ألسكانية ألأضعف ، إضافةً إلى ضرورة إعتماد استراتيجية واضحة لمكافحة الفساد و ألتهرب ألضريبي عبرإقرار قانون الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد ، كذلك وضع آلية لإصلاح ألقضاء بما يضمن استقلالية السلطة القضائية ..
“ثمة حاجة إلى نموذج تمويلي مستدام Innovation Of Sustainable Funding Model بُغيَة ألحد من هشاشة ألإقتصاد و من ألإعتماد على ألتمويل ألخارجي” هي ألعبارة ألتقنية ألأساسية ألتي تعني على ألمدى ألطويل تدابير صارمة أو قاسية تتعلق بآلإيرادات و ألنفقات ألدائمة مترافقة مع إدارة ألدين ألعام و خفض ألعجز .. كما عبرت ألمجموعة عن التزام ألأسرة الدولية مقررات مؤتمر “سيدر” و استعدادها لدعم لبنان في حال التزامه ألإصلاحات المطلوبة و تنفيذ الخطوات و التدابير المعلن عنها ..
من جهة أخرى ، كان لافتآ تطرق ألمجموعة إلى دور الجيش اللبناني و القوى الأمنية ألرائد في ضمان ألإستِقرار و حفظ أمن ألمتظاهرين و كذلك ألحِفاظ على الطابع السلمي للاحتجاجات مشيدة و مقدرة دور هذه ألقوى داعية ألجميع الى التصرف بمسؤولية ..
في مقاربة موضوعية للبيان ألختامي يتبين أن مجموعة الدعم الدولية للبنان و على رأسها فرنسا كانت أحرص و أكثر إهتمامآ و مسؤولية من كُثُر من ألمسؤولين اللبنانيين في ألعمل على إنقاذ البلاد من ألإنهيار المحتم .. إذ تمكن ألرئيس ماكرون من ألإلتفاف على ألقرار ألأميركي ألقاضي بتجميد مقررات مؤتمر “سيدر” و هذا ما يؤشر إلى أن ألواقع ألإقتصادي و ألمَالي و ألمعيشي ألمتدهور ليس سوى أحد أجزاء ألأزمة ألسياسية ألداخلية ألمرتبطة بتشابك ألمصالح ألإستراتيجية و ألصراع بين ألمحورين ألإقليميين ..!
ألبيان لم يكن ينقصه ليصبح بيانآ وزاريآ شاملآ لحكومة جديدة نزيهة مرتقبة يصبو إليها ألعامة سوى ألتطرق إلى إلتزام لبنان القرار ألأممي 1701 المتعلق بجنوب لبنان و إنتشار قوات ألطواريء الدولية بألتوازي مع السعي لإقرار ألإستراتيجية ألدفاعية ألضامنة إلتزام ألمقاومة و ألدَولَة سياسة ألنأي بألنفس عن ألصراعات الإقليمية تثبيتآ لأمن لبنان ألإستراتيجي و حقه ألبديهي ألدفاعي ألمشروع بوجه أعداءه ألكَيان ألعدو و ألتَنظيمات ألإرهابية ..!
خِتامَآ ، ألبيان بعباراته ألغير ملتبسة صرفآ و نحوآ كان واضحآ لا يحتاج الى تفاسير و ملحقات إذ أنه وفر نظرة دولية موحدة للوضع أللبناني و ألمعالجات ألضرورية بموافقة متوقعة من روسيا و ألصين إضافةً إلى جامعة الدول العربية و ألصناديق ألمالية و ألإئتمانية ألدولية ؛ يَبقى ألرهان على ألأفعال هو ألتحدي ألأساس لإعادة إنتظام ألدورة ألحياتية للشعب بعد إغتراب ألدَولَة عنه فألمعاناة كبيرة و ألهموم جامعة لا تحمل ترف ألإنتِظار ..
———-
بيروت في 14.12.2019
*عميد كاتب و باحث.