الامبراطور الروماني كاليغولا أشهر طاغية في التاريخ ..كان عبقرية الشر
الدنيا نيوز – دانيا يوسف
انفجر كاليغولا مرة ضاحكاً دون أن يفهم القناصل وأعضاء مجلس الشيوخ من حوله سبباً لنوبة الضحك هذه. فلما استفهمه شيخان قريبان من مجلسه واجفين، أجابهما:”الأمر بسيط، أضحك لفكرة وهي أنني بإيماءة واحدة من رأسي أستطيع أن أرى رأسيكما يتدحرجان أمامي على الفور”.
شُغلُ الطغاة الشاغل هو نشر الرعب والموت بين رعاياهم. لكن أحدا لم يفعل ذلك بفخر واعتزاز كما فعل كاليغولا الذي أعلن: “إن حمل البؤس إلى الرعية ودمارها يشكلان القاعدة الذهبية لسياستنا”.
كاليجولا الامبراطور الروماني أشهر طاغية في التاريخ الإنساني وله صلة قرابة من ناحية الام بالامبراطور الأشهر نيرون الذي أحرق روما. اسمه الحقيقي “جايوس” تربى ونشأ في بيت ملكي وتمت تربيته بين العسكر اعدادا له للحكم وأطلقوا عليه هذا الاسم “كاليجولا” ومعناه الحذاء الروماني سخرية منه في صغره وظلّ يحمل هذا اللقب حتى مصرعه. تولى حكم روما منذ العام 37 الى 41 ميلاديا.
لم يكن كاليجولا مجرد طاغية حكم روما بل كان نموذجا للشر وجنون العظمة والقسوة لدرجة أوصلته الى القيام بأفعال لا يعقلها البشر أو يتصورها العقل.
الأكثر شهرة من أفعال الطاغية هي فكرة استبدت به بأنه اله على الارض وملك هذا العالم بأسره ويفعل ما يحلو له. وذات مرة ذهب يسعى في طلب القمر لا لشيء سوى لأنه من الأشياء التي لا يملكها. ولهذا استبد به الحزن حين عجز عن الحصول عليه.
كما انه فرض السرقة العلنية في روما وبالطبع كانت مقصورة عليه فقط اذ أجبر كل أشارف روما وأفراد الامبراطورية الأثرياء على حرمان ورثتهم من الميراث وكتابة وصية أن تؤول أملاكهم الى خزانة روما بعد وفاتهم وبالطبع خزائنه اذ انه كان يعتبر نفسه روما. فكان في بعض الاحيان يأمر بقتل بعض الاثرياء حسب ترتيب القائمة التي تناسب هواه الشخصي كي ينقل سريعا إرثهم اليه دون الحاجة لانتظار الأمر الالهي. وكان يبرّر ذلك بعبارة شهيرة جدا: “أما أنا فأسرق بصراحة” .
وكان يرى أنه طالما اعترف بسرقته فهذا مباح.
كان كاليجولا مضطربا نفسيا ويهوى التلاعب بمشاعر أفراد حاشيته الذين افسدوه وجعلوه يتمادى في ظلمه وقسوته بصمتهم وجبنهم وهتافهم له في كل ما يقوم به خوفا من بطشه وطمعا في المكاسب. فذات مرة خرج على رجاله بخدعة أنه يحتضر وسيموت فبادروا بالاعلان عن دعائهم له بالشفاء واستعدادهم للتضحية من أجله وبلغ التهوّر بالبعض أن أعلن رجل من رجاله أن روحه فداء له. وأعلن آخر مئة عملة ذهبية لخزانة الدولة كي يشفى كاليجولا. وفي لحظتها خرج كاليجولا من مخبأه ليبشّرهم انه لم يمت ويجبر من اعلن وعوده المتهورة على الوفاء بما وعد فأخذ من الثاني مئة عملة ذهبية وقتل الأول كي ينفّذ وعده. وكانت عبارته التي يرددها لتبرير وتشريع القتل لنفسه: “غريب أنني اذا لم اقتل أحدا أشعر بأنني وحيدا”. “لا أرتاح الا بين الموتى”.
هاتان العبارتان تبرزان بوضوح تام ملامح الشخصية المريضة لكاليجولا والتي أبدع الكاتب الفرنسي ألبير كامو في وصفها في مسرحيته “كاليجولا”.
من المضحك المبكي ما قام به كاليجولا عندما أراد أن يشعر بقوته وأن كل أمور الحياة بيديه. ورأى أن تاريخ حكمه يخلو من المجاعات والأوبئة وهكذا لن تتذكره الأجيال القادمة فأحدث بنفسه مجاعة في روما عندما أغلق مخازن الغلال، مستمتعا بأنه يستطيع أن يجعل كارثة تحل بروما ويجعلها تنتهي أيضا بأمر منه. فمكث يستلذ برؤية أهل روما يتعذبون بالجوع وبنفس المنطق المختل قال كلمته الشهيرة: “سأحل انا محل الطاعون”.
أخذ جنون كاليجولا يزداد يوما بعد يوم والذي أسهم أكثر في تعاظم جنونه وبطشه أن الشعب كان خائفا منه. وظلّ رجاله يؤيدونه في جبروته حتى لحقهم بدورهم فذات يوم رأى أحد رجاله يتناول عقارا ما فظنّ انه يتناول دواء مضادا للسم خوفا من أن يقوم كاليجولا بقتله وهكذا قرر كاليجولا ان يقتله لأنه كان من الممكن أن يرغب فعلا في قتله بالسم وقد حرمه من تلك المتعة! وهكذا قتله ليتبين ان الرجل كان يتناول عقارا عاديا.
وازداد جنون كاليجولا عن حدّه حتى جاءت لحظة الحادثة الشهيرة والتي أدت الى مصرعه في النهاية. دخل كاليجولا مجلس الشيوخ ممتطيا صهوة جواده “تانتوس” ولما أبدى أحد الاعضاء اعتراضه على هذا السلوك قال له كاليجولا:”أنا لا ادري لما ابدى البعض ملاحظة على دخول جوادي المحترم رغم انه اكثر اهمية من البعض فيكفي انه يحملني.”
وطبعا كعادة الحاشية هتفوا له وأيدوا ما يقوله فزاد جنونه وأصدر قرارا بتعيين جواده المحترم عضوا في مجلس الشيوخ!
وهلّل الاعضاء بنفاق لحكمة كاليجولا فانطلق هذا الاخير بعبثه الى النهاية واعلن عن حفلة يحتفل فيها بتعيين جواده المحترم عضوا في مجلس الشيوخ وكان لا بدّ على اعضاء المجلس من حضور الحفل بالملابس الرسمية.
ويوم الحفل فوجئ الحاضرون أن المأدبة لم يكن بها سوى التبن والشعير فلما اندهشوا قال لهم كاليجولا انه شرف عظيم لهم أن يأكلوا في صحائف ذهبية ما يأكله حصانه. وهكذا اذعن الحضور جميعا لرغبة الطاغية وأكلوا التبن والشعير ما عدا واحدا كان يدعى “براكوس” رفض فغضب عليه كاليجولا وقال:”من انت كي ترفض أن تأكل مما يأكل جوادي”. واصدر قرارا لتنحيته من منصبه وتعيين حصانه بدلا منه. وبالطبع هلّل الحاضرون بفم مليء بالقش والتبن وأعلنوا تأييدهم لهذا الجنون.
ثار براكوس واعلن الثأر لشرفه وراح يصيح في اعضاء مجلس الشيوخ: “الى متى يا أشراف روما نظل خاضعين لجبروت كاليجولا”.
وبسرعة قذف براكوس حذاءه في وجه حصان كاليجولا وصرخ:”يا أشراف روما افعلوا مثلي، استردوا شرفكم المهان”. فاستحالت المعركة بالأطباق وكل شيء ثم تجمع الأعضاء وأعوان كاليجولا عليه حتى قضوا عليه وقتلوا حصانه ايضا.
ولما وصل الخبر الى الشعب خرج مسرعا، وحطّم كل تماثيل كاليجولا ومعها ايضا تماثيل أفراد عائلته الكثيرة.
لم يُنبِتْ جنونه الدموي إلا أمنية واحدة ملأت رأسه وجسدت كل أمانيه، فقد كان دائما يتمنى: “لو أن هذا الشعب الروماني برأس واحد لأقطعها بضربة سيف واحدة”.
لم يكن كاليغولا طاغية فحسب، بل كان وحشا يريد أن يفترس العالم.