الازدحام الديبلوماسي قاصر عن صد شراسة العدوان..!


بقلم العميد منذر الايوبي*

لا يبدو ان الحراك الديبلوماسي المكثف باتجاه لبنان قادر على وقف العدوان الاسرائيلي وبالحد الادنى خفض التصعيد بما يمهد لوقف اطلاق النار، مرحلة زمنية تسمح بالتقاط الانفاس وتسهيل الولوج الى تسوية مقبولة من افرقاء الصراع.. اذ ان زيارة رئيسة الحكومة الايطالية جورجيا ميلوني الى بيروت صبت في اطار تأكيد الموقفين الايطالي والاوروبي لجهة بقاء قوات الطوارئ الدولية العاملة في جنوب لبنان UNIFIL في مراكزها وممارسة مهامها مع الحفاظ على جهوزيتها في حال نجاح المفاوضات والعودة الى تطبيق القرار الاممي 1701؛ وبالرغم من كل التحذيرات والطلبات الاسرائيلية بمغادرة هذه القوات مراكزها واستهدافها مرارآ من قبل جيش العدو لدفعها الى الانسحاب الا انها رفضت الاستجابة من منطلق الالتزام بمهمتها، كما اتى استهداف مراكز الجيش اللبناني بالقصف المركز ليصب في هذه الخانة؛ بالتوازي اكدت ميلوني اللازمة المكررة دعم الجيش لوجستيآ وماديآ هدف زيادة عديده وتعزيز وحداته في الجنوب ضمن اطار تطبيق القرار 1701 بكامل مندرجاته..

تاليآ؛ جاءت زيارة المبعوث الاميركي لشؤون امن الطاقة آموس هوكستاين لبيروت ولقائه الرئيسين بري وميقاتي بالاضافة الى العماد جوزيف عون لتؤكد ما كان يطرحه من مقترحات خلال زياراته الخمس السابقة دون اي جديد قد يصب في خانة وقف العدوان.. كما تبين سند ما صرح ان لا تعديل للقرار الدولي 1701 بل في آليات تطبيقه، علمآ أن التعديل يحتاج تصويتآ جديدآ في مجلس الأمن يتعذر تأمين الإجماع عليه، كما أن لبنان لا مصلحة له في صياغة قرار معدل قد يدرج ضمن الفصل السابع من الميثاق: «إذ جاز له أن يتخذ بطريق القوات الجوية والبحرية والبرية من الأعمال ما يلزم لحفظ السلم والأمن الدولي أو لإعادته إلى نصابه…
فيما حملت زيارة امين عام الجامعة العربية احمد ابو الغيط رسالة دعم وتضامن مع امكانية البحث في مقترحات جديدة قد تثمر داخليآ في ظل تقارب سعودي- ايراني ملموس حافز تسريع انتخاب رئيس للجمهورية وتجديد السلطة كأولوية اساسية تسمح بمواجهة التحديات المطروحة .. اما الاتصال الهاتفي الذي اجراه وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي مع الرئيس بري فلبه الجهود العربية والمصرية التي تبذل لوقف النار وفك الارتباط مع جبهة غزة..!

في السياق، لم يكن من داعٍ وهي الرابعة منذ بدء حرب غزة زيارة وزيرة الخارجية الالمانية انالينا بيربوك بيروت، اذ ان ما صرحت به لا يمكن ادراجه ضمن ما يسمى ديبلوماسيآ “المساعي الحميدة” بل اتى من الصنف التحذيري فيما خص قوات اليونفيل:”ان أي هجوم متعمد على قوات حفظ السلام يشكل انتهاكًا للقانون الدولي الإنساني” وانحيازآ سافرآ مع العدو: “تمكنت إسرائيل في الأسابيع الأخيرة من إضعاف حزب الله الإرهابي بشكل واضح الخ.…. التوصلً حل دبلوماسي قابل للتطبيق يحمي المصالح الأمنية المشروعة لكل من إسرائيل ولبنان”..

من جهة اخرى؛ كان لافتآ إيجابآ مشاركة 70 دولة و 15 منظمة دولية في مؤتمر (دعم سيادة لبنان وشعبه ) الذي انعقد يوم امس في العاصمة الفرنسية باريس بمبادرة من الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون وبحضور الرئيس نجيب ميقاتي والوفد المرافق، في خلاصة مقرراته الدعم المالي والانساني الا ان الاهم كان تبني الدعوة لضرورة وقف الحرب بين اسرائيل وحزب الله مشددآ على ان التوصل الى وقف اطلاق النار اصبح امرآ ملحآ..
تزامن المؤتمر مع زيارة وزير الخارجية الاميركي انطوني بلينكن الكيان العبري وعدد من دول الاقليم، الا ان ضوء المنتصف البرتقالي برز من خلال اجتماعه اليوم مع الرئيس ميقاتي في العاصمة البريطانية لندن، على هذا المنعطف تبين ان نمط التداخل السياسي-الديبلوماسي التفاوضي هدف وقف حرب التدمير وسفك دماء الأبرياء من مدنيين وإعلاميين وطواقم اسعاف وإغاثة في مرحلة “الاحاسيس والمشاعر” اميركيآ خالٍ من إرادة دولة عظمى فرض تسوية على عدو هو لها حليف .. إذ صرح بلينكن اثر الاجتماع: «لدينا إحساس بوجود ضرورة ملحة حقيقية للتوصل إلى حل دبلوماسي، والتطبيق الكامل للقرار 1701 الصادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ليتسنى وجود أمن حقيقي على الحدود بين إسرائيل ولبنان»..!

إزاء هذا الازدحام الديبلوماسي يثابر العدو الاسرائيلي على رفع وتيرة القصف الجوي والمدفعي بشكل عنيف، مع تمدد عسكري بري يكرس منطقة عازلة بعمق من 5 ال 10 km رسائل بالنار لكل المبعوثين الدوليين والعرب تعلن ان قرار وقف الحرب بيد بنيامين نتنياهو وتنفيذه لم يحن آوانه؛ اذ لم يعد يعتبر كافيآ التزام لبنان بقرار مجلس الامن الدولي 1701، معلنآ امام مجلس الحرب المصغر الحاجة إلى اتخاذ تدابير إضافية سياسيا وميدانيآ تضمن ديمومة امن مستوطنات الشمال (الفلسطيني المحتل)…!
المعركة مفتوحة والضغوط مستمرة على جميع الاصعدة، المفاوضات الآن مرتبطة بالتطورات الميدانية وما ستسفر عنه في المرحلة الزمنية القادمة’. محاولات احتواء الحرب لا افق لها كما لا يبدو الشفق قريبآ… انها ساعة حرجة حبث الباطل في ذروة قوته والحق في أقصى محنته. يبقى الثبات عند الملمات صخرة التحول..!

——————————

بيروت في 25.10.2024
*عميد متقاعد، مختص في الشؤون الأمنية والإستراتيجية.