الاتفاق النووي يضع اسرائيل بمواجهة التهديد الوجودي..

 

 

بقلم العميد منذر الايوبي

لا يزال الفوران السياسي، الديبلوماسي في إندفاعته تزامنآ مع جبهات عسكرية مفتوحة او مرتقبة علة عدم وضوح رؤية لدى قارئين كما استشراف قرب بلوغ متغيرات متوقعات ضفة الرسو لدى آخرين ذلك سواء على المسرح الدولي ام الاقليمي؛ فيما البيت الابيض باقٍ نقطة ارتكاز محورية عليها الكوكب مُتكِئ، زواره من كل صَقعٍ وعِرق فيما سيده والاركان مستمعون حينآ او يتلون فرائض طاعة لُبوسها نصائح متجردة صَميمها خيار سلبي اوحد حرب اقتصادية مفتوحة وعُزلة دولية، فيما الإمتثال يقارب رضوخآ ضامنآ تحقيق مصالح الولايات المتحدة وفق التموضع الجيوسياسي والرؤى الاستراتيجية المعتمدة ..!

على صعيد الاقليم لم تعد الامور بحاجة لتمعن في تفكيك أحجيات ولا مراجعة كَمِ إرث هنري كيسنجر ومذكراته حول الشرق الاوسط الجديد احد اهم مسارح التفاعل المتأثر بالتحولات القادمة، من هذا المنطلق ينفرد رئيس الحكومة الاسرائيلية بمتابعة حربه على جبهات متعددة قواسمها المشتركة الاساس إرتباط الاهداف بايران، ذلك دون رادع او التزام اتفاقيات سيما وقف اطلاق النار على جبهة الجنوب اللبناني وآليات تطبيق القرار الاممي 1701 بمندرجاته كاملة..!

سياقآ، اضافة الى ارتباطها بالمباحثات الاميركية-الايرانية بالوساطة العُمانية، حظيت زيارة وزير الدفاع السعودي الامير خالد بن سلمان إيران حاملآ رسالة من خادم الحرمين الشريفين سلمان بن عبد العزيز الى المرشد الايراني علي الخامنئي بكثير من تساؤلات او اهتمام لجهة التوقيت كما شخصية السّاعي ووظيفته، فيما اعتُبِرت المحادثات الثنائية مع اللواء محمد باقري رئيس هيئة الاركان الايرانية مؤشرآ هامآ لتنامي التنسيق والتفاهم لجهة ضمان الامن الاقليمي والتعاون على المستوى الاستراتيجي، ذلك منذ توقيع اتفاق بكين عام 2023 حيث رأى فيه صانع الديبلوماسية الاميركية كيسنجر تغييرآ جوهريآ في الوضع الاستراتيجي للشرق الاوسط قائلآ: “السعوديون يوازنون الآن بين أمنهم لدى الولايات المتحدة ومصالحهم لدى الصين”. ويضاف الى ذلك أمن المنطقة وأمانها.

من جهة اخرى؛ بعد جولتي محادثات غير مباشرة بين واشنطن وطهران اشيع عنها تقدم وايجابيات وما نضح من تصريحات ينظر بنيامين نتنياهو الى حيثياتها بقلق وريبة خشية توصل الى اتفاق يصح القول فيه الصفقة التجارية على (المنهج الترامبي) الأحادي Trumpisme؛ سيما إثر تصريح الرئيس الاميركي «انه أوقف هجوماً إسرائيلياً وشيكاً على إيران، وإنه يحبّذ التوصل إلى اتفاق سياسي لحسم الأمر». ما استوجب إستباقآ قبل الجولة الثنائية الثانية التي عقدت في العاصمة الايطالية روما لقاء بين وزير الشؤون الاستراتيجية الاسرائيلي رون ديرمر يرافقه رئيس جهاز الاستخبارات الخارجية (موساد) ديفيد بارنيع من جهة والمبعوث الاميركي ستيف ويتكوف في العاصمة الفرنسية هدف تأكيد تأثير وإستطلاع لا فضول.. ليتبين لاحقآ رغم تكتم قائم على خلفية امنية ان دايفيد برنياع وستيف ويتكوف نزيلا الفندق نفسه Rome Cavalieri خلال المحادثات..

إستنادآ؛ يأتي العبور الى المرحلة التقنية في جولة التفاوض الثالثة المرتقبة غداً السبت ليرسم إطار الحل حول برنامج نووي سلمي فيما تعتبر طهران عامل الوقت لمصلحتها، المماطلة من اسلحتها والإتفاق المؤقت غايتها الحالية، كما ان تحالفها مع روسيا والصين يعزز من دعائمها الاستراتيجية. الوقائع تظهر رغبة الرئيس ترامب الإنتقال الى مفاوضات مباشرة تُسرِع الحسم الايجابي ضمن مهلة الستين يومآ التي حددها وتصب في خانة احتواء أحد اهم مسارح الصراع الجيو إستراتيجي في العالم..
تاليآ، يعارض نتنياهو اشتراط وزير الخارجية الايراني عباس عراقجي تصديق الكونغرس الاميركي ذو الاغلبية الجمهورية على الاتفاق حال إنجازه وتحوله معاهدة ثابتة مستبعدآ حصوله إذ ان القبضة اليهودية ذات قدرة وتأثير كافٍ على الادارة الاميركية واللوبي الصهيوني متجذر في دوائر مجلسي الشيوخ والنواب.

مما لا ريب فيه ان منسوب القلق الاسرائيلي بلغ حافة التهديد الوجودي حيث الوقت داهم كما لا يمكن الاعتداد والاعتماد على اتفاق تبادلي مرن مبني على تقانة ترامب في إدارة الإقتصاد والرأسمالية التجارية، إذ بلغ مخزون ايران من اليورانيوم المخصب حتى درجة نقاء 60% ما يقارب 274.8 Kg في مؤشر واضح لتسارع معدل الإنتاج وبلوغ عتبة 90% اللازمة لتصنيع القنبلة النووية؛ ووفق تقرير سري للوكالة الدولية للطاقة الذرية ان طهران باشرت منذ بداية العام الحالي 2025 تركيب اجهزة طرد مركزي جديدة داخل منشأة (فوردو) ستؤدي الى زيادة كبيرة في انتاج اليورانيوم العالي التخصيب. هذه المعطيات قد تدفع بنيامين نتنياهو الى التفكير بالانفراد إستباقآ شَن ضربات جوية مفاجئة مستعيدآ نسق “عملية اوبرا” التي اسفرت عن تدمير (مُفاعل تموز 1) أوزيراك العراقي عام 1981، ولكن دون ذلك عقبات كبيرة امامه، باعتبار انه يغامر بخوض حرب اقليمية وربما عالمية من دون اي حليف، منا يجعله في موقع المهزوم حُكماً وسَلفاً.

منسوب القلق الاسرائيلي بلغ حافة التهديد الوجودي تماشيآ مع ما تم ذكره سُجِل في مواقف الادارة الاميركية التالي:

– قبول شروط روسيا وقف حربها على اوكرانيا وموافقته على ضم الاقاليم الاربعة وشبه جزيرة القرم الى روسيا الاتحادية ما يضع اوكرانيا واوروبا في حال التسليم بالواقع.

– إطلاق يد نتنياهو لإنهاء حركة حماس، وقف حرب غزة، واطلاق سراح الرهائن.

– القضاء على الحوثيين المدعومين من ايران وحماية الملاحة الدولية.

– تكبير مساحة اسرائيل وفق الرؤية التلمودية مقابل تحجيم الكيانات او الدول المجاورة وتقسيمها.

في الإثارة السياسية للرئيس الاميركي باع طويل ومن النرجسية تراث نفسي كبير، إذ يعتزم احياء مرور اول مئة يوم من ولايته الثلاثاء المقبل بمهرجان جماهيري في ولاية ميشيغان ليكون المرتقب تَضمن كلمته اعلان التوصل الى اتفاق مبدئي لا مؤقت يقضي بوقف التخصيب مع توسيع عمل الهيئة الدولية للطاقة الذرية في تفتيش المنشآت بالتوازي مع مقترح طهران جذب استثمارات اميركية قد تصل الى الف مليار دولار وفق ما سُرِب ثُم نُقِض..

بيروت في 25/4/2025
*عميد متقاعد، كاتب وباحث