الإبراهيمية الجديدة…أسباب وأبعاد
بقلم : د. غسان الخالد*
بدأ الحديث عن ديانة جديدة، تجمع الديانات السماوية الثلاثة، اليهودية والمسيحية والإسلامية، من خلال العودة، إلى إبراهيم الخليل المعروف بأنه ابو الأنبياء.
بالمناسبة فإن الحديث الان، والذي بدأ ياخذ مساحة في الإعلام وفي الترويج له، لم يكن وليد اللحظة. انه مشروع بدأ التفكير به منذ عقدين من الزمن، اي منذ العام ١٩٩٠، وبتوجبه أميركي، ومن خلال مراكز أبحاث صهيونية… وقد أسست الولايات المتحدة، لهذه الفكرة منذ العام ٢٠١٣،من خلال جمع مئة شخصية في ما يشبه المؤتمر، وقد توزعت الشخصيات مناصفة بين رجال دين ونخب دبلوماسية وثقافية،حيث طلب من رجال الدين تقديم ورقة تتضمن القيم المشتركة بين الديانات الثلاثة.
تقوم الفكرة على أن الدين هو سبب الحروب، وان تحقيق السلام يحتاج إلى حل للحروب، وعليه فإن توحيد الديانات سيشكل حلا للحروب وللصراعات في إطار ما يسموه الديبلوماسية الدينية،في إطارها النخبوي على أن يتولى الساسة في الدول المعنية بتنفيذ المتفق عليه من النخب الروحية.ومن هنا وبناء عليه يمكن لنا تسجيل الملاحظات التالية:
اولا…..،في المبدأ قد يتراءى للقارئ أن هذا كلام حق، ونية صافية تخدم السلام، ويغيب عن البال أن هذا وان بدا كذلك اي كلام حق لكن ما يراد منه باطلا.. ويعود ذلك إلى أسباب عديدة ومتعددة، ليست محصورة فقط في المجال السياسي، وإنما أيضا في المجالين الاقتصادي والروحي.
في المسألة الروحية، تلغي هذه الديانة الجديدة كليا الديانتين المسيحية والإسلامية.وهي تفترض أيضا إعادة قراءة الفكر الديني في النص المقدس كالوارد في القرآن الكريم، كما الأحاديث النبوية الشريفة. وسأدع تفصيل ما أوردت لرجال الدين، فهم ربما، الأقدر على شرح الخطورة المتاتية عن إلغاء الديانتين المسيحية والإسلامية، علما أن الأمر قد لا يحتاج العناء الكثير للتوضيح، لكن من المفيد الإشارة إلى أن فكرة الديانة الابراهيمية الجديدة، إنما تأتي في سياق العولمة الثقافية الهادفة والساعية إلى فرض منظومة قيم ثقافية واحدة، حيث يستدعي هذا الفرض إلغاء الثقافات الأخرى الدينية في شتى حقولها.
ثانيا، وفي البعد السياسي، يلاحظ انه وفي نهاية العام الماضي وقعت الإمارات اتفاق التطبيع مع الكيان الصهيوني، وقد أطلق على هذا الاتفاق اسم اتفاق أبراهام… حتى في اللغة لم يستخدم الساسة الأميركيون والاسرائيلييون الاسم كما يلفظ في اللغة العربية. ويعود اصل التسمية إلى مصري كان مسجونا في الولايات المتحدة الأمريكية ويدعى نصير وهو من بور سعيد، وكان متهما بمحاولة قتل الحاخام مائير كاهانا، زعيم حركة كاخ العنصرية، ذلك أنه رأى أن الحل الوحيد لإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي هو بإقامة دولة اتحادية تحت اسم دولة ابراهيم الفدرالية وتتكون من ولايتي ولاية فلسطين العربية، وولاية إسرائيل العبرية، ويكون للدولة علم واحد وجنسية واحدة…. وقد ارسل المذكور مشروع ما أسماه الدولة الابراهيمية إلى وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون. وليتمعن القارئ في البعد السياسي لهذا المشروع، وما قد يظهر لاحقاً. وبالمناسبة فإن عاصمة الدولة الإبراهيمية الروحية الجديدة هي القدس، اما العاصمة السياسية، فهي القاهرة، فهل يعني بناء المبنى المقرر لوزارة الدفاع المصرية والمسمى الاوكتاغون، والذي يجري العمل به منذ فترة وبسرية تامة، ووفقا لقواعد تشغيل لاحقا وبإشراف إسرائيل، هل يعني ذلك شيئاً؟. قد لا يكون من الغريب القول أن الإمارات العربية المتحدة قد بدأت بالتعاون مع الكيان الصهيوني لتنفيذ مشروع الدولة الابراهيمية الجديدة في البعد الاقتصادي. إذ بدأت بحركة استثمارات في العديد من الدول العربية وخصوصاً الموانئ، كما بدأت ببناء البيت الإبراهيمي في ابو ظبي.
من النافل القول إن الديانة الجديدة المقترحة تأتي تتويجاً وتكريسا، لما ورد في كتاب الشرق الأوسط الجديد لشمعون بيريز، حيث تقوم فكرته الاقتصادية على مزاوجة العقل اليهودي مع رأس المال العربي. كما يأتي تتويجا لمحاولات السيطرة الإسرائيلية، وتوسيع نفوذها الذي كان ينحصر في إقامة دولة إسرائيل في حدود معينة من النيل إلى الفرات، فيما كان يسمى إسرائيل الكبرى، إلى ما يسمى إسرائيل العظمى وفق الشرق الأوسط الجديد كما تسعى له. وقد يمتد هذا النفوذ ليشمل لاحقا دولا أخرى أفريقية وغير أفريقية كتركيا مثلا.
أن الديانة الابراهيمية الجديدة، والتي يسعى الكيان الصهيوني إلى تحويلها إلى دولة ابراهيمية، هي تجسيد لما يسمى صفقة القرن. تلك الصفقة التي بدأت مع إعلان الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن إسرائيل دولة يهودية، وتتالت خطوات التكريس هذه، خطوة خطوة، من نقل السفارة، إلى إعلان القدس عاصمة الكيان، إلى التطبيع الإرادي أحياناً، والمفروض أحياناً أخرى، هي خطوات، تستدعي التوقف عندها، كما تستدعي التنبه لها ولمحاذيرها ومخاطرها. فهل من يتعظ؟.
————–
*باحث في علم الاجتماع السياسي