“الدنيا نيوز” – دانيا يوسف
كثيرًا ما نسمع عن الأكريلاميد Acrylamide وتأثيراته الضارة في الصحة، إذ يرتبط ذكره بعديدٍ من الأطعمة التي نتناولها باستمرار، انطلاقًا من الأطعمة المقلية وصولًا إلى القهوة ودخان السجائر، لكن علينا أولًا أن نتعرف إلى هذه المادة؛ فما هو الأكريلاميد؟
الأكريلاميد مادةٌ كيميائيةٌ صلبة ذات طبيعة بلورية منحلة في الماء، وهو عديم الرائحة، أبيض أو عديم اللون، ويستخدم في عديد من الصناعات مثل صناعة الورق والبلاستيك والأصباغ والمواد التجميلية، وفي معالجة مياه الشرب والنفايات التي قد تنتج عن تلك المعامل. ويمكن أن ينتقل الأكريلاميد إلى مياه الشرب في حال استخدام مادة البولي أكريلاميد Polyacrylamide في عملية المعالجة، وقد يوجد في التربة أيضا لكنَّه نادرًا ما يُصادف في الهواء، علما أن البكتيريا الموجودة في التربة تستطيع تفكيكه سريعًا في حال انتقاله إليها.
كيف يظهر الأكريلاميد في الأغذية؟
يتشكل الأكريلاميد في الأغذية التي تكون من مصادر نباتية على نحو خاص؛ مثل البطاطا والحبوب والقهوة، ويكون أكثر ظهورا في الأطعمة النشوية، ويحدث ذلك عند تعرُّض تلك الأطعمة في أثناء عملية الطبخ إلى حرارةٍ عالية تزيد على 120 درجة سيلسيوس، وهو ما يُصادَف في عمليات القلي والشوي والخَبز، وتزداد كميات الأكريلاميد المتشكَّلة كلما طالت فترة التعرُّض للحرارة ، ولا يُلاحظ تشكُّله في الأغذية المسلوقة أو المطبوخة بالبخار.
توجد عدة آلياتٍ مختلفةٍ لتشكُّل الأكريلاميد انطلاقًا من مركباتٍ موجودةٍ طبيعيًا في الغذاء، فمثلاً يمكن أن يتشكل من حمض الأكريليك Acrylic acid الذي يُشتق بدوره من نواتج تفكك الدهون أو الكربوهيدرات أو الحموض الأمينية الحرة، كذلك يمكن أن يتكوَّن نتيجة تفاعل نزع الماء Dehydration أو ونزع زمرة الكربوكسيل Decarboxylation من الحموض العضوية Organic acids مثل حمض الماليك Malic acid، أو حمض اللبن Lactic acid أو حمض الليمون Citric acid)، وقد ينتج من الحموضة الأمينية مباشرةً؛ ويعد الحمض الأميني أسبارجين Aspargine من أهم المركبات الطليعية لهذا المركب.
الجدير بالذكر أن الاعتماد على الأطعمة العضوية لا يجنّب المرءَ احتمال التعرض للأكريلاميد؛ فهو يتشكل في الأطعمة العضوية كما في الأطعمة غير العضوية، لأن تكوُّنه يرتكز أساسًا على عملية الطبخ والتعرض للحرارة المرتفعة فتراتٍ مطوَّلة، وليس على كون الطعام عضويًا أم لا. يُذكر أيضًا أن فريقًا من الباحثين في سويسرا قد كشفوا – على نحوٍ غير متوقع – عن وجود الأكريلاميد في الفواكه المجففة، علمًا أنها تُجفف في درجات حرارة متوسطة ليست كافيةً لتشكيل الأكريلاميد بالطرائق المعروفة سابقًا.
الأكريلاميد وتأثيراته في الصحة:
لطالما كان الأكريدلاميد موجودًا في الأطعمة المطبوخة، لكنَّه اكتُشِف أول مرة عام 2002 ، وقد أجريت عدة دراسات على حيوانات التجربة والبشر على حد سواء بهدف تحديد تأثيره في الصحة، وقد تبين أنه قد يرتبط بالحالات الآتية:
الجهاز العصبي: لوحظت أعراض الجهاز العصبي لدى الأشخاص الذين يتعرضون لمستويات عالية جدًا من الأكريلاميد في المعامل والمنشآت الكبيرة، وشملت أضرارًا في الأعصاب أدَّت بدورها إلى ضعفٍ في العضلات وتناسقها، وخدرٍ في اليدين والقدمين. كذلك بينت الدراسات المخبرية أن التعرض المزمن للأكريلاميد الغذائي قد يسبب الضرر للخلايا العصبية مما قد يؤدي دورًا في الإصابة بآلزهايمر.
السرطانات: تبين ارتباط الأكريلاميد بعديدٍ من أنواع السرطانات لدى حيوانات التجارب في المخابر، لكن التجارب على الإنسان لم تثبت وجود تأثيرٍ كهذا، لذا صُنِّف الأكريلاميد أخيرًا مادةً يُحتمل أن تتسبب بالسرطان لدى البشر، وذلك بانتظار مزيدٍ من الأدلة التي تؤكد ذلك الارتباط فعلًا من عدمه. وقد بدأت بعض الدراسات بتحري تأثيرات الأكريلاميد المسرطنة لدى البشر، ومنها دراسة شملت 100 ألف سيدة أمريكية وامتدت على مدى 20 عامًا، وتعد أكبر دراسة وبائية تدرس علاقة الأكريلاميد بالسرطان، وقد توصل الباحثون إلى أن احتمال الإصابة بسرطان الثدي كان متماثلًا لدى السيدات اللواتي استهلكن كمياتٍ مرتفعة من الأكريلاميد الغذائي وأولئك اللواتي استهلكن كميات منخفضةً منه على حد سواء.
هل يجب علينا أن نتوقف عن تناول جميع الأطعمة والمشروبات المحتوية على الأكريلاميد؟ وكيف نحدُّ منه في نظامنا الغذائي وحياتنا؟
إن تلك التأثيرات المذكورة لا تعني ضرورة الامتناع عن تناول الأطعمة النباتية المشوية أو المقلية أو المخبوزة بعد، لكن منظمة الغذاء والدواء FDA تنصح المستهلكين بالحدِّ منها بالترافق مع تبنِّي نمطٍ غذائي صحي يحتوي على الخضار والفواكه والحبوب الكاملة والحليب ومشتقاته وغيرها من الأطعمة التي ينصح بها للحفاظ على حياة صحية متوازنة مع اللجوء إلى طرائق الطهي الصحية. كذلك يمكن لنقع البطاطا – التي تعد أشهر مصادر الأكريلاميد – في الماء مدة 15-30 دقيقةً قبل قليها أو شيِّها أن يقلل من الأكريلاميد المتشكِّل لاحقًا.
من جهةٍ أخرى، تُنصح الجهات المصنِّعة للأغذية ببذل مزيدٍ من الجهود لتقليل كمية الأكريلاميد في الأغذية عن طريق البحث عن بدائل للأنظمة الحرارية المستخدمة في صنع الأطعمة، وأصنافٍ غذائيةٍ منخفضة المحتوى من مركبات الأكريلاميد الطليعية، وقد بدأ بعض العلماء بتطوير محاصيل منخفضة المحتوى من تلك المركبات الطليعية باستخدام تقنيات التعديل الوراثي، لكن تطبيقاتها ما زالت بعيدة الأمد. إضافةً إلى ذلك، يُنصح العاملون في بعض المجالات بارتداء الملابس والقفازات الواقية للحد من التماس بين الأكريلاميد والجلد.