احتجاجات كاراكالباكستان ما لها وعليها.. بؤرة توتر في بلد غني بالغاز والنفط
خاص – “الدنيا نيوز”
بقلم : د.زياد منصور*
اندلعت الاحتجاجات في كاراكالباكستان، وهي جمهورية تتمتع بالحكم الذاتي في أوزبكستان، حيث تركزت هذه الاحتجاجات في عاصمة الجمهورية، مدينة نوكوس، وجرت تحركات مشابهة في مدن الإقليم شيمباي ومويناك.
يعارض سكان كاراكالباكستان مسودة النسخة الجديدة من دستور أوزبكستان، والتي تم تقديمها للمناقشة العامة في 26 حزيران. مشكلة الاعتراض هي في التعديلات على الدستور التي حذفت كلمة “سيادة” في وصف وضع جمهورية كاراكالباكستان، فضلاً عن ذكر عدم حق كاراكالباكستان في الانفصال عن أوزبكستان.
ومساء 26 حزيران، بحسب قنوات إعلامية محلية، ظهرت دعوات للاحتجاجات الجماهيرية على مواقع التواصل الاجتماعي. في 27 حزيران، بحسب سكان نوكوس، فإن الوصول إلى الإنترنت عبر الهاتف المحمول أصبح محدودًا في المدينة. وتجمع يوم الجمعة مئات الأشخاص على الأقل يرفعون أعلام كاراكالباكستان في شوارع نوكوس.
لأما الدافع المباشر، فهو ما تسبب به اعتقال الناشط المحلي دولتمورات تازيموراتوف من حالة غضب، وهو الذي كان قد دعا المواطنين للخروج في مسيرات ضد مشروع التعديلات في الدستور. فيما أكدت شقيقة تازيموراتوف وفقاً لنفس وسائل الاعلام ” أن الشرطة اقتادته بعد الظهر من منزله”. ووردت أنباء عن إطلاق سراح تازيموراتوف فيما بعد. وبحسب وسائل الإعلام المحلية، تم إدخال قوات إضافية من الحرس الوطني الأوزبكي إلى كاراكالباكستان، حيث قامت بعملية اعتقالات واسعة بشأن الأحداث الجارية، أدلت وزارة الداخلية الأوزبكية ببيان حول الوضع في نوكوس. ووصفت التظاهرة بأنها “غير شرعية” كما أشارت إلى “سوء تفسير للإصلاحات الدستورية”.
وخاطب رئيس الجمهورية المتظاهرين بضرورة الهدوء. عملياً خبت التحركات وبدأ الناس يتفرقون. وتقوم الشرطة بعمل احتوائي مع المتظاهرين. ولم يذكر البيان أي شيء عن المطالب التي تقدم بها المحتجون.
وتعتبر جمهورية كاراكالباكستان هي أكبر منطقة في أوزبكستان، وتحتل 40 في المائة من أراضي البلاد. ما يقرب من مليوني شخص يعيشون هناك. يتحدث المواطنون هناك بلغتين، وهما اللغتان الرسميتان معترف بهما في الجمهورية: الكاراكالباك والأوزبكية.
في أوائل سنوات الحكم السوفيتي، كانت هناك منطقة كارا كالباك المتمتعة بالحكم الذاتي، والتي أصبحت في عام 1936 جزءًا من جمهورية أوزبكستان الاشتراكية السوفياتية. في عام 1990، اعتمد المجلس الأعلى لجمهورية كاراكالباك الاشتراكية السوفييتية إعلان سيادة الدولة. ولكن في عام 1993، تم توقيع اتفاقية بشأن دخول كاراكالباكستان إلى أوزبكستان. وفي هذا الاتفاق، تم تكريس حق الانفصال عن البلاد، وهو ما تم توضيحه أيضًا في دستور أوزبكستان الحالي.
ما الذي يُقترح تغييره بالضبط في الدستور؟
من المقرر إجراء حوالي 170 تعديلاً على دستور أوزبكستان، والتي لا تزال هذه التعديلات في مرحلة المناقشة العامة. وتنص التعديلات على زيادة فترة الرئاسة من خمس إلى سبع سنوات، وكذلك تصفير مدة ولاية رئيس الدولة الحالي شوكت ميرزيوييف، أي اعتبار السنوات التي حكمها بعد وفاة الرئيس السابق إسلام في عام 2016. ليست ضمن ولايته الرئاسية الحقيقية، واعتبارها مرحلة انتقالية
تنص المادة 70 من النسخة الحالية من دستور أوزبكستان على ما يلي:
“جمهورية كاراكالباكستان ذات السيادة هي جزء من جمهورية أوزبكستان. إن سيادة جمهورية كاراكالباكستان تحميها جمهورية أوزبكستان “.
ينص المشروع الجديد أيضاً، على التغييرات التالية على هذه المادة: “جمهورية كاراكالباكستان جزء من جمهورية أوزبكستان. على أراضي جمهورية كاراكالباكستان، تُكفل جميع الحقوق والحريات المنصوص عنها في دستور وتشريعات جمهورية أوزبكستان “.
تنص المادة 74 من الدستور الحالي على أن “جمهورية كاراكالباكستان لها الحق في الانفصال عن جمهورية أوزبكستان على أساس استفتاء عام لشعب كاراكالباكستان”.
يقترح المشروع الجديد تعريف هذه المادة على النحو التالي: “تمارس جمهورية كاراكالباكستان السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية على أراضيها وفقًا لدستور وقوانين جمهورية أوزبكستان ودستور جمهورية كاراكالباكستان وقوانينها. الرئيس جوغوركو كينيش في جمهورية كاراكالباكستان هو أعلى مسؤول في جمهورية كاراكالباكستان “.
تاريخ كاراكالباكستان؟
يعتقد الباحثون أن كاراكالباكستان كأمة تشكلت في القرن الحادي عشر في منطقة بحر أورال. تنتمي لغة كاراكالباك إلى مجموعة كيبتشاك للغات التركية، وهي قريبة من اللغة الكازاخستانية.
يقدر إجمالي عدد سكان كاراكالباك بحوالي مليون و825 ألفًا، يعيش حوالي نصف مليون في كاراكالباكستان (يبلغ إجمالي عدد سكان كاراكالباكستان 1.8 مليون).
تم تشكيل منطقة كارا كالباك ذاتية الحكم في عام 1924، وحتى عام 1930 كانت جزءًا من جمهورية كازاخستان الاشتراكية السوفياتية، ثم تم إخضاعها مباشرة لجمهورية روسيا الاتحادية الاشتراكية السوفياتية. في عام 1936، تم دمجها في جمهورية أوزبكستان الاشتراكية السوفياتية.
بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، تحولت المنطقة إلى جمهورية كاراكالباكستان في عام 1992. في عام 1993، تم توقيع اتفاقية بين الكيانات لمدة 20 عامًا قضى بدخول جمهورية كاراكالباكستان إلى أوزبكستان. يكرس الاتفاق حق الجمهورية المتمتعة بالحكم الذاتي في الانسحاب من أوزبكستان من خلال إجراء استفتاء، والذي يُقترح الآن إلغاؤه.
في كانون الأول 1990، اعتمد المجلس الأعلى في كاراكالباكستان إعلان استقلال الدولة. بعد ذلك، عاشت الجمهورية بشكل مستقل تقريبًا لمدة عامين. تمت المصادقة على الدستور وإقرار العلم وشعار النبالة والنشيد الوطني وإنشاء منصب رئيس الجمهورية.
في ذلك الوقت، تمت مناقشة الخيارات المختلفة للمستقبل في الجمهورية. دعا البعض إلى الاستقلال التام، بينما دعا البعض الآخر إلى الانضمام إلى أوزبكستان أو كازاخستان، في حين دعا البعض الآخر إلى التقارب مع روسيا، على الرغم من أن الجمهورية ليس لديها حدود مشتركة مع الاتحاد الروسي. نتيجة لذلك، في عام 1993، وقعت كاراكالباكستان اتفاقية مشتركة بين الكيانات بشأن الانضمام إلى أوزبكستان.
بعد ذلك، بدأ المسؤولون في طشقند بالتخلص تدريجياً من خطر الانفصال. تم توحيد القوانين مع القوانين الأوزبكية، وتحولت سمات الاستقلال إلى صورة زائفة. في عهد الرئيس إسلام كريموف، تحدث نشطاء حقوق الإنسان عن مئات من سجناء كاراكالباك السياسيين. في عهد رئيس الدولة الجديد، شوكت ميرزيوييف، تغير الوضع؛ خلال الحملة الانتخابية، صرح بأنه لا يعتبر نفسه ابنًا للأوزبك فحسب، بل لشعب كاراكالباك أيضًا.
أعرب سياسيون معارضون من كاراكالباكستان عن عدم موافقتهم القاطعة على النسخة الجديدة من الدستور. ويعارض الكاراكالباك الذين يعيشون في الخارج، بما في ذلك في كازاخستان، التعديلات.
رغم ذلك فإن أن المشاكل لا تزال قائمة. الجمهورية لديها نسبة عالية من البطالة، وتعيش وضعاً اجتماعياً واقتصادياً صعباً. كل هذا أدى إلى احتجاجات أكثر من مرة. في تموز من العام الماضي، اندلعت اشتباكات مع ضباط الشرطة والحرس الوطني في مدينة خوجيلي. والسبب هو قرار قيادة أوزبكستان بالانتقال إلى الأبجدية اللاتينية، بما في ذلك ترجمة اللغة الكاراكالباكية إليها. قبل ذلك، قام سكان قرية كيرانتاو، تحت شعارات اجتماعية واقتصادية، بإغلاق الطريق السريع وإضرام النار في الإطارات.
ماذا بعد؟
يقول الخبراء إن الأزمة الحالية لا تشكل تهديدًا لدولة أوزبكستان. فلدى طشقند ما يكفي من القوة والموارد الاقتصادية لوقف الاحتجاجات. من الممكن أن تكون قيادة أوزبكستان قد انجرفت بعيداً عن طريق تحرير الحياة السياسية، والآن ستتم مراجعة هذه السياسة جزئياً. على أية حال، ليس هناك أي تهديد لاستقرار النظام. ويعتقد خبراء آخرون أن طشقند لن تحل المشكلة بالقوة، ولكن ليس هناك من ضمانات لذلك في ظل الوضع المتفجر في كل جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق والأزمة الأوكرانية، وخلق بؤرة توتر جديدة لإلهاء الروس. ويعتقد البعض الآخر أن الغرب يسعى الى اشعال فتيل اضطرابات جديدة في آسيا الوسطى، واحتمال عودة الاضطرابات الاجتماعية في كازاخستان.
ويعود ذلك حسب المراقبين إلى ان أوزباكستان احتفلت الأسبوع الماضي بأكبر اكتشاف نفطي لها، في مياه بين سمرقند ونافوي، ويقدر احتياطي النفط القاري بنحو مليون طن، من المتوقع أن يصل الحد الأقصى لمستوى الإنتاج السنوي إلى مليون طن بحلول عام 2025، ومن المقرر حفر 1500 بئراً، كما أن الاستثمارات في التنمية على مدى السنوات المقبلة تقدر بنحو 2,5 مليار دولار.
وحتى الآن لا يوجد أي أعمال وحشية من قبل السلطات الرسمية، فقد أصدرت كل من وزارة الشؤون الداخلية ووزارة الخارجية في أوزبكستان تصريحات معتدلة نسبيًا. ربما ترفض طشقند ببساطة تغيير مواد الدستور التي تؤثر على كاراكالباكستان. في النهاية، لم تمنع هذه المقالات طشقند من ممارسة سياستها السياسية.
في سياق آخر فإنه من المتوقع أن ترتدي الحداث طابعاً أكثر حدة في المدى المنظور، ففي طاجيكستان المجاورة هناك قاعدتان روسيتان، وهما:
• قاعدة دوشنبه: حصلت عليها روسيا بعد اتفاقية أمنية مع طاجيكستان عام 2004 ويتمركز فيها نحو 5000 جندي روسي. ويستخدمها الروس قاعدة لمكافحة ما يسمى الإرهاب ومواجهة هجمات من يصفونهم بالمتطرفين.
• قاعدة كيولياب: تتمركز فيها وحدة عسكرية روسية وتبعد نحو 300 كيلومتر إلى الجنوب من العاصمة دوشنبه، و100 كيلومتر من الحدود الأفغانية. هذه القاعدة مجهزة لتسع 50 طائرة عسكرية بما في ذلك المروحيات.
كما انه منذ استقلالها عام 1991 ظلت أوزبكستان تشكل مع غيرها من دول الاتحاد السوفياتي السابق هدفا للاختراق الأميركي أملا في الاستحواذ على المنطقة إلى جانب كبح القوى المتنامية على حدودها مثل الصين التي يمكن أن تشكل تهديدا مستقبليا على النفوذ الأميركي في المنطقة. وقد تمثل أول تدخل أميركي في الشأن العسكري الأوزبكي في تعضيد واشنطن للمسعى الروسي لدى أوزبكستان للإبقاء على المواطنين الروس ضمن تشكيلة جيشها الجديد، خاصة أن أوزبكستان استعانت في إعادة تشكيل جيشها بالضباط المسرحين من الخدمة في جمهوريتي أوكرانيا وبيلاروسيا.
وكان أول تدخل أميركي في الشأن العسكري الأوزبكي هو محاولة عدم الإبقاء على المواطنين الروس ضمن تشكيلة جيشها الجديد، خاصة أن أوزبكستان استعانت في إعادة تشكيل جيشها بالضباط المسرحين من الخدمة في جمهوريتي أوكرانيا وبيلاروسيا. لكن حاولت واشنطن ملتفتة على موسكو اختراق أوزبكستان والسيطرة عليها عسكريا ضمن مثلث الدول الذي يجمعها مع طاجيكستان وقرغيزستان، وهو مثلث استراتيجي مهم في امتلاك مفاتيح المنطقة استراتيجيا الغنية بالنفط والغاز. أول خطوة بدأت بتشكيل لجنة أميركية أوزبكية عسكرية مشتركة في أيار 2000 ساعدت واشنطن من خلالها طشقند في إنشاء مركز إقليمي لخدمة المعدات الجوية التكتيكية في المصنع الكبير لتجميع الطائرات العسكرية الذي حمل في العهد السوفياتي اسم “مصنع تشالكون”، كما استضافت واشنطن من خلالها دفعات من العسكريين الأوزبك في بعثات تدريبية.
لكن التعاون العسكري بين الطرفين شهد طفرة مفاجئة بعد تفجيرات 11 أيلول بأيام قليلة، إذ أصبح مطار خان آباد الذي يبعد عن العاصمة طشقند بـ 500 كم وعن الحدود الأوزبكية الأفغانية بـ 200 كم فقط. أصبح أول قاعدة عسكرية أميركية في جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق على الإطلاق.
وذكرت وكالة إيتار تاس الروسية للأنباء يوم 10 تشرين الأول 2001 أن المطار أصبح مركزاً للمعلومات الأميركية على الحدود الأفغانية، وأن أعداداً متزايدة من العسكريين الأميركيين والبريطانيين تدفقت إلى أوزبكستان. في نفس الوقت تم تحويل مطار توزيل القريب من طشقند إلى قاعدة عسكرية أميركية مصغرة.
ختاماً يبدو أن هناك جملة أطراف مستفيدة من ذه التحركات التي إذا لم تستطع السلطات احتوائها فسيكون لها تداعيات كبرى على مجمل الحالة العسكرية في آسيا الوسطى وهي محاولة من ضمن المحاولات لإشغال الصين، والهاء روسيا عن عمليتها العسكرية في أوكرانيا.
————————————
* باحث في التاريخ الروسي