إسرائيل؛ الاخفاق الدفاعي حَقيقَةً ام خديعة..؟؟

 

بِقَلَم العميد مُنذِر الايوبي*

تعقيدات المشهد السياسي تتفاقم على خلفية الانقسام العامودي للاحزاب الاسرائيلية، إثر تكليف رئيس كيان العدو رؤوفين ريفلين رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تشكيل الحكومة الجديدة، إذ ان فشل الاخير في مهمته عبر نسج تحالفات داعمة له تؤمن إئتلافآ حكوميآ ضامنآ لتحقيق الاستقرار السياسي، قد يدفع الامور اما لتكليف الايديولوجي اليميني والقومي المتشدد عضو الكنيست نفتالي بينيت او الذهاب نحو انتخابات خامسة، طالما ان التنابذ يسود ولعبة الخداع تمارس من الجميع، على صعوبة التحالف الوازن لتقارب الحجم والعدد، بدءآ باليمين المتطرف الى اليمين والوسط واليسار وحزب الصهيونية الدينية. ويبقى الاخفاق السياسي سيد الموقف وازمة التشكيل مستعصية.

في الاخفاق الدفاعي؛ سعت القيادة العسكرية الاسرائيلية الى بناء مظلة دفاعية عالية الكفاءة الكترونيآ وتقنيآ قادرة على الرصد والتشويش، التتبع او التعقب، الاعتراض الصاروخي والتدمير تتعامل مع الاهداف وتغطي كافة الارتفاعات ومسافات الاقتراب، وذلك بدءآ بمنظومة القبة الحديدية TAMIR ، بطاريات الدفاع الجوي PATRIOT، مقلاع داوود David’s Sling، نظام “حيتس” -3-4 2 HETZ المضاد للصواريخ الباليستية و ARO “السهم” القادر على التعامل مع الاهداف في طبقة الغلاف الجوي Stratosphere . تاليآ، على لسان العدو، اخفقت المنظومة الاسرائيلية في التصدي لصاروخ وحيد من نوع SA-5 انطلق من الاراضي السورية “محيط مدينة دمشق” نحو هدف جوي “طائرة F- 16 C”، اثناء غارة شنها سلاح الجو الاسرائيلي على مواقع داخل الاراضي السورية، لا بل لم تتمكن من منع انزلاقه Sliding “وفق التوصيف العبري” قاطعآ مسافة 360 km في عمق فلسطين المحتلة، حيث انفجر بالقرب من بلدة (أشليم) في صحراء النقب والموقع الحيوي مفاعل “ديمونا” النووي..

المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي اعلن : “ان قوات جيش الدفاع رصدت إطلاق صاروخ أرض-جو من داخل سوريا انفجر في صحراء النقب. ردا على ذلك هاجمت قواتنا بطارية الدفاع الجوي التي أطلقت الصاروخ من داخل الأراضي السورية”. ((منطقة الضمير على بعد 40 km ش.ش دمشق)). لاحقآ، وفي بيان منفصل شدد الجيش الإسرائيلي « ان الصاروخ الطائش لم يؤد الى سقوط اصابات او اضرار مادية، كما لم يقترب من مفاعل ديمونا النووي». تزامنآ، في تصريح لوزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس اعترف “أن الأنظمة الإسرائيلية المضادة للصواريخ حاولت اعتراض الصاروخ “إس إيه-5″ (SA-5) لكنها لم تنجح”. وفي حين بث التلفزيون السوري شريط فيديو يوثق وقوع الانفجار الصاروخ، اتى التعليق الايراني من معاون شؤون التنسيق في الحرس الثوري محمد رضا نقدي معتبرآ “ان اسرائيل حاولت التغطية على ما حدث لكن الانفجارات كانت واضحة للجميع”.

من الجلي ان ليل الاربعاء – الخميس الماضي شكل قلقآ لدى القيادة العسكرية الاسرائيلية؛ بعد سقوط شظايا الصاروخ في منطقة الشتات البدوي “رمات نيغيف” على بعد 40 Km من “ديمونا”؛ في حين فتحت وزارة الدفاع تحقيقا حول اسباب الفشل، بعد دوي صافرات الانذار وتفعيل المنظومة الدفاعية تلقائيآ باطلاقها متأخرةً صاروخ اعتراضي لمسار SAM-5 اخفق في تدميره.!

في سياق متصل؛تحققت قيادة العدو العسكرية من التالي:
• ان الصاروخ ليس من نوع أرض-ارض طراز SCUD التكتي الباليستي، علمآ ان صاروخ SAM-5 للدفاع الجوي، يتمتع بميزة امكانية تحويله تقنيآ وبسهولة الى صاروخ باليستي “أرض-أرض”.
•انزلاق الصاروخ في العمق الاسرائيلي اكد امكانية اختراق المنظومة الدفاعية، خاصة في حالة الحرب حيث متابعة وتدمير رشقات صاروخية دقيقة اصعب بكثير.
•ان الاقتراب من بقعة المفاعل النووي “ديمونا” يرفع درجة القلق، حيث تتمركز اهم أنظمة الاعتراض الصاروخي تقدماً في العالم.


•ان الحادث سواء كان مقصودآ ام عابرآ فهو اكد قدرة حزب الله، ايران، سوريا على ايلام اسرائيل في اية مواجهة او حرب محتملة.
•ان تكرار الحادث سيثبت تصفير احتمالية “عامل الصدفة” Serendipity Factor او الخطأ، وسيؤكد وجود قرار الرد السوري-الايراني على الغارات الجوية. مما يعني غطاء عسكريآ روسيآ غير متوقع او لا حاجة له حاليآ من المنظور الاستراتيجي.
•ان القيادة الروسية لا تتعامل بهذه الذهنية ولا تحتاج الى عملية مموهة بالخطأ كهذه، لكبح جماح الاعتداءات الجوية المتكررة يوميآ على سوريا او لافهام اسرائيل قرارها بذلك.
•ان الاسراع في قصف وتدمير طيران العدو بطاريات الدفاع الجوي السوري التي اطلقت الصاروخ يسقط اي تفكير بتعديل قواعد الاشتباك مع سوريا
•ان انزلاق الصاروخ بهذه السهولة نحو العمق الاسرائيلي، سيفرض بحث اركان العدو وخبراءه في كيفية سد الثغرات وتطوير نسق الرد الدفاعي الصاروخي، علمآ ان الحماية المطلقة غير موجودة دائمآ والامر متعلق بخفض احتمالات الخرق الصاروخي Probpaabilities Of Missile Penetration الى الدرجة الدنيا.
•ان خطورة ما حدث على اعتبار انه “صاروخ طائش” Reckless Or Stupid missile وعدم التمكن من اعتراضه يرفع درجة الخطورة الى حد التهديد الوجودي في حالة الحرب.
•ارباك على مستوى الجبهة الداخلية تبلور على وسائل التواصل الاجتماعي تغريدات وتعليقات، موجة من فقدان الثقة مع السخرية والانتقاد للقيادتين السياسية والعسكرية.
•تحذير عالي المستوى من أفيغدور ليبرمان وزير الدفاع الإسرائيلي السابق، اذ كان “من الممكن أن ينتهي سقوط صاروخ برأس حربي يزن 200 كلغ على إسرائيل بشكل مختلف”، معترفآ أن “إسرائيل تشهد شللا حكوميا وتآكلا لقوة الردع”..!

من جهة اخرى؛ في العقل الامني الاسرائيلي نظرية المؤامرة Conspiracy مترسخة، فَ ليس من الصعوبة اختراق جهاز الموساد الاسرائيلي لاحد اطقم البطاريات الدفاعية السورية، لإطلاق الصاروخ بعيدا عن الاهداف الجوية، وبالتالي يصبح مساره حرآ وصولآ للمدى الاقصى وبالتالي انفجاره في الجو. اذ من الصعوبة بمكان ان تفشل “مصفوفة المسح الالكتروني السلبي” Passive electronic scanning matrix لرادار AN/ MPQ-53-6 المتطور المزودة بها منظومة PATRIOT عن كشف اي هدف طائر مع تحديد سرعته ومساره، وذلك ضمن دائرة قطرها 100 km، كما بامكانها تحديد ما اذا كان الصاروخ عدوآ ام صديقآ من خلال نظام تشفير الاسلحة الصديقة.
اما الهدف فهو تمكين بنيامين نتنياهو من الولوج الى اجواء محادثات فيينا الغير مباشرة بين طهران وواشنطن، مظهرآ الكيان العدو في دائرة الخطر؛ محاولة تفرض على اميركا تلبية متطلبات اسرائيل العسكرية والامنية المتعددة؛ كما تصب في خانة اجهاض المفاوضات، او بالحد الادنى حض الرئيس الاميركي جو بايدن على التشدد في شروطه المقيدة لبرنامج ايران النووي، وتحفيزه لعدم رفع العقوبات كليآ عنها.!

خِتامَآ ؛ اسئلة تُطرح: هل اسقطت العملية وهم الامن المطلق.؟ هل تكرست معادلة مفاعل “ديمونا” مقابل مفاعل “نطنز”.؟ في ظل تقدم مفاوضات فيينا تعتبر عملية اطلاق صاروخ SA-5 بهذه الطريقة ذات وجهين: اما محاولة “خجولة” للرد على عملية التخريب التي استهدفت تجهيزات حساسة في منشأة نطنز النووية الايرانية بداية الشهر الحالي، او رسالة “جريئة” للقيادة الاسرئيلية تظهر القدرة والنية على الرد مستقبلآ.!
الاجوبة في القادم من الايام ولطالما كان الميدان سبيلآ لتقدم المفاوضات وصولا لنيل الحد الاقصى من المكاسب..!

———————

بيروت في 27.04.2021
*كاتب وباحث في الشؤون الامنية والاستراتيجية