أم الدنيا ..!
بِقَلَم: العَميد مُنذِر ألأيوبي*
منذ ثورة 25 كانون ألثاني 2011 وحتى ألجمعة 20 أيلول 2019 بدا ألشارع ألمصري في ظل ظروف معيشية و إقتصادية مذرية يخضع تراكميآ لنظام سلطوي Authoritarian system قاسمه ألمشترك فساد و هدر أموال مترافقآ مع ممارسات بوليسية قمعية من أجهزة ألأمن و إستخبارات ألنظام ألحاكم تمثلت بمحاولات كم أفواه ألإعلام إضافة إلى توقيف العشرات من صحفيين ، ناشطين إجتماعيين و معارضين سياسيين أودعوا سجونآ سبق و أستخدمت مِن ألنظامين ألسابقين دُوِنَ في حنايا جدرانها شهادات على تعاقب حكام و أحكام جائرة ..
أطاح إنقلاب قاده ألمشير عبد ألفتاح ألسيسي بألرئيس ألمصري “ألمدني ألأول – محمد مرسي”
لكن مصر سرعان ما عادت إلى سيرتها ألأولى تاركةً تبوأ ألجنرالات مراكز ألسلطة بدءآ من رأس ألهرم
في ديموقراطية مقنعة أو بألأحرى لا ديمقراطية – وفق مؤشر “فريدوم هاوس” Freedom House للحرية و ألديموقراطية و حقوق ألإنسان في ألعالم إضافة لمؤسسات Think Tanks “مُدركات ألفَساد”
كمنظمة ألشفافية ألدولية Transparency International IT ..
توازيآ ، كانت ألأزمة ألإقتصادية تتفاقم إذ لم يثمر ألدعم ألمقدم من صندوق ألنَقد ألدولي IMF لبرنامج ألإصلاح ألإقتصادي ألمصري ما يرتجى ، بدا تشجيع ألإستثمارات و ارتفاع معدلات النمو متناقضآ تمامآ مع تنامي معاناة ألطبقات ألشعبية و إزدياد نسبة ألفقر ألمدقع و ألبطالة إلتئ بلغت مستويات غير مسبوقة ، حيث توسعت الهوة بين ألفقراء و ألأغنياء و تقلص حجم ألسلة ألغذائية للمواطنين ذوي راتب ألحد ألأدنى ..
“ليس بألخبز وحده يحيا الإنسان-متى 11:1-4” على منوال متجدد مشتق من “أوتوقراطية” عسكرية Autocracy و تأسيسية عقائدية وجد غالبية ألمصريين أن نتيجة أل 89% “ألعادة ألمتبعة في هكذا أنظمة” التي صوتت لصالح تعديلات دستورية تسمح للرئيس عبد ألفتاح ألسياسي ألبقاء في منصبه حتى عام 2030 (إستنادآ للهيئة ألوطنية للإنتخابات في إستفتاء ألثلاثة أيام 19-22 شهر أيار الماضي” مَساسٌَآ بمستقبلهم ألسياسي و تكبيلآ لحريتهم و خياراتهم ، و لولا خجلٍ محمود أو تَمايز مَقصود لكانت ألتعديلات لصالح ولاية مدى ألحياة و ربما مع توريث إذا أمكن ..!
من جهة أخرى ، و في عارض سلبي “أبستيمولوجي” Epistemology من إعتقاد معرفي قد يبرر فشلآ في تمييز ألواقع ، فوجئت أجهزة ألسلطة ألمصرية بشعار “كفاية بقى يا سيسي – و إسقاط ألنظام” عنوانآ عريضآ مرفوعآ لتظاهرات غير متوقعة إنطلقت ليل ألجمعة ألماضي شملت ألقاهرة و لاحقآ مدنآ و محافظاتً مصرية عدة ، كما لم يَحُل حذر وسائل الإعلام بدايةٍ في ألتعاطي مع ألأحداث أو عدم تغطيتها من توسعها و إنتشارها و إستمراريتها ، إذ تكفلت مواقع ألتَواصُل ألإجتماعي بكسر حاجز ألخوف و تعميم مسار ألتظاهرات ألميداني مما دفع ألمشككين و ألمترددين للنزول إلى ألشوارع ..
في نفس ألسياق ، جاء تعامل ألقوى ألأمنية و وحدات مكافحة ألشغب بواقعية حذرة مع ألمتظاهرين حيث بدت ألساحات و ألشوارع خالية من اي إنتشار أمني و إقتصر ألأمر على تمركزات لقوات مكافحة ألشغب في ألنقاط ألحساسة و ألتقاطعات ألأساسية ألهامة ..! خلال اليوم التالي “ألسبت” اندلعت مواجهات في مدينة ألسويس خاصةً بين قوات الشرطة و مئات من المتظاهرين ألذين جرى تفريقهم بواسطة قنابل ألغاز المسيل للدموع و خراطيم المياه و الرصاص المطاطي في محاولة من القيادة ألأمنية إظهار تقيدها بقواعد حفظ ألأمن و ألنظام ألمعمول بها وِفقآ للمعايير الدولية..!
ماذا بعد .؟ لا شك أن ألمتضررين في ألداخِل ألمصري كُثُر لأسباب شتى منها ألسياسي ألمعارض لنظام ألحكم بألمطلق ك تنظيم ألأخوان ألمسلمين و قسم آخر طامح إلى ألسلطة أو لتصحيح ألخلل في معادلة ألنظام أما ألجزء ألأكبر فمرتبط بألأزمة ألأقتصادية و ألمعيشية .. على ألصعيد ألخارجي و ألإقليمي لا تزال مصر مكبلة بإتفاقية “كامب دايفيد” ألموقعة عام 1978 مع ألعدو ألإسرائيلي منكفئة عن دورها ألمحوري و القومي كزعيمة للأمة ألعربية ، مضطرة أو عن قناعة لِلإلتزام بسياسة محور مقدمي ألمساعدات ألمالية ..
إستطرادآ إن إسقاط ألنظام ألمصري في دوامة ألفوضى هدف أساسي للتنظيمات ألإرهابية و ألإسلامية ألمُتطرفة بعد خروج معظمها من سوريا و التي إتخذت من شبه جزيرة سيناء و منطقة الحدود مع ليبيا منطلقآ لها بغية ألتوغل داخل دول ألمغرب العربي إضافةً إلى الشمال و ألوسط ألأفريقي ألمتاخم ..!
بألمقابل ، و بصرف ألنَظَر عن تجاوزات ألنظام و أخطاءه ، يرى ألرئيس ألمصري أن أداءه و حكومته وسياسة ألتقشف ألمتبعة إنما تهدف إلى بناء ألمدن ألجديدة ، تطوير شبكة إلمواصلات و ألبنى ألتحتية ألمتهالكة ، تحديث ألمؤسسات ألحيوية ألضرورية كألمستشفيات و ألمدارس و غيرها ..! مؤكِدَآ أن بناء الإنسان المصري عملية مجتمعية و ليست حكومية .! مجابهآ ألأسلام ألسياسي مُحَدِدآ أنه ألسبب ألرئيسي للفوضى في مصر و ألإقليم ..!
في ألتداعيات ، شنت قوات ألأمن و ألاستعلام ألتَكتي حملة دهم و إعتقالات وقائية شملت ألمئات
من فتيان و شبان (جيل ألحِراك ألجديد) و ذلك إثْرَ دعوة ألمقاول محمد علي ألمصريين إلى تظاهرة مليونية يوم ألجمعة ألقادم في ألميادين ألعامة ، كما سُجِلَ تهاوي أسهم ألبورصة ألمصرية و هبوط مؤشر IGX 100 بنسبة 5% مما أرغم ألمعنيين على وقف منصات التداول و إطفاء ألشاشات بعد 30 دقيقة من فتحها ..! كما كان لافتآ توجيه وزير الخارجية المصري سامح شكري أصابع الاتهام لأجهزة ألإستخبارات و وسائل الإعلام القطرية والتركية في تحريضها ألمُغرِض على التظاهرات و ألعصيان ..!
تزامنآ ، إنتقدت منظمة “هيومن رايتس ووتش” HRW حالة حقوق ألإنسان في مصر و حملات ألقمع ألمستمرة للحريات ألأساسية و ألعامة ، كما أدانت “منظمة مراسلين بلا حدود” PSF ألتضييق الذي يمارسه النظام على الصحافة ، أيضآ إعتبرت “منظمة العفو الدولية” IAO أن قمع المعارضين جعل مصر “أخطر من أي وقت مضى”.!
مُحَتَمَآ ، من ألصعوبة بمكان تغيير منظومة الحكم ألمصرية فألدَولَة ألعميقةEstablishments ضمن دائرة مغلقة “أوليغارشية” Oligarchyمسيطرةستعود وتنتج نفسها تكرارآ وإن تغير ألاشخاص “ألجنرالات” إذ أن ألخلل في ألأساس بنيوي بًألمطلق ..
مَنطقيآ ، ربما لم – يَبلغ ألسيل ألزبى – بٍعد لتفادي أو تَجاهُل ألمعالجات وفق خطة إستراتيجية واضحة قبل أن تنزلق ألأمور الى فوضى تشابه أو تسابق ألثورة ،، إذ أن إحتواء ألشارع عبر تحقيق مطالبه المعيشية و اعادة الدعم الى بعض المواد الغذائية الأساسية بات أمرآ مُلِحآ إضافة الى ضرورة معالجة الوضع النقدي و تعويم ألجنيه المصري ..
خِتامَآ ، عَلَق ألرئيس ألأميركي على ألأحداث يوم أمس معتبرآ ألرئيس ألمصري ألقائد ألبارع ألقادر على معالجة ألأزمة ..! كذلك و خلال قمة مجموعة الدول الصناعية السبع G7 التي عقدت مؤخرآ في باريس وصف ألرئيس ترامب ترامب نظيره ألسيسي بِ ” ألديكتاتور ألمفضل” فهل يكون ألمفضل ألعادل و ألمُصلِح ألخادم لشعبه أم أن ألأوان قد فات ..؟؟
*عميد ، كاتب و باحث في ألشؤون ألأمنية و ألإستراتيجية.
بيروت في 23.09.2019