ألإنزِلاق ألأمني ..!
بِقَلَم ألعَميد مُنْذِر ألأيوبي *
بعد ان غرزت ألأوليغارشية القابضة عَلى زمام الوطن – طبقة ال 5%- أنيابها في جسده المهتريء بالتفاهم او التناغم مع معظم الطبقة السياسية متسببة منذ حراك 17 تشرين و بلامبالاة قاتلة في انهيار ما تبقى مِن مؤسسات الدولة المتلاشية فَضُرِب إقتصادها و حطم كيانها مع سُقوط قيمة النقد الوطني و تجاوز السطو ألزُبى فتبخرت اموال الناس التي اودعت جنى أعمارها في مصارف “راحة البال” كذلك كل ما وَفَر و اقتصد مغتربون قابعون عَلى جمر الهجرة و السعي وراء الرزق الحلال تاليآ ضاعف مِن حجم السقوط المدوي اقفال مؤسسات و تسريح موظفين و عمال مع افقار و تجويع شمل معظم الشرائح الاجتماعية فبدت المشهدية قاتمة و البلد عَلى شفير الزوال بشكل غير مسبوق ..!
إزاء هذا الواقع المميت بقي كيان الدولة ثابتآ في ظل ظروف قاسية فُرِضَت عَلى الناس تساوت مع قساوة قُلوب الجناة بألتزامن مع إسترخاء لا واعٍ للطبقة السياسية جليآ بدا سواءً في أدائها الفاشل غير العقلاني لانقاذ ما تبقى او من خلال محاولات في معظمها عاقرة للجم التدهور و اعادة عجلة الحياة الطبيعية ..
كان واضحآ أن صمود الهيكل نِتاج أمر واحد لا ثان له الجيش اللبناني و المؤسسات الامنية الرديفة وصولآ الى عناصر الاطفاء و الدفاع المدني الذين هشمت اجسادهم بالنار و الدماء ناهيك بمسعفي الصليب الاحمر و الطواقم الطبية العاملة في ليالي المآسي اما الضحايا المئتين او يزيد و الجرحى الستة آلاف او ينوف فهؤلاء غمروا بالحزن و الدموع و آلالام التفكر بالرحيل و الهجرة ..
حِرص الجيش و باقي اجهزة الامن و الاستخبارات عَلى استمرارية دورها الثمين في مكافحة الجريمة بالتوازي مع حرب مفتوحة عَلى الارهاب و درء الفتنة تزامنت مع سلسلة حوادث اثبتت ان وراء ألأكمة ما وراءها و ان مخططات الغرف السوداء لَم يسقط هدفها الاستراتيجي في إنهيار الدولة و جعل الوطن ركامآ ..!
إستطرادآ بدا ان الاهداف الشيطانية قاربت التحقق إثْرَ الانفجار “الامونيومي” الذي زلزل بيروت مِن مرفئها الناشط و ركنها الاساس (القاتل التجاري لمرفأ حيفا في فلسطين المحتلة) مرورآ بالحريق الثاني و مؤخرآ المبنى الهندسي لفكرة و موهبة “زها حديد” كما أشرت جريمة كفتون الارهابية و التفلت الامني في بعض المناطق اضافة الى القتل بدم بارد لعناصر الجيش في كل مهمة او مداهمة الى تقاطع المعلومات فيما
رسم عَبرَ اعتماد الضرب في الخاصرة الرخوة شمال لُبنان حيث البيئة الديموغرافية قابلة للتجاوب مع اجهزة المخابرات الاجنبية و الاقليمية مِن منطلق خلفيات دينية و عقائدية و معيشية صعبة بالتزامن مع تسلل منظم لمَجموعات ارهابية متطرفة عَبرَ نقاط الضعف و مسالك التهريب الحدودية ..!
من جهة اخرى رسمت و عكست زيارتا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون و محادثاته و لقاءاته اهتمامآ جديآ عَلى المستوى الدولي ملقيآ حبل النجاة المتمثل بجدول اعمال انقاذي حاز موافقة جميع الاطراف في خطواته الاولى تشكيل حكومة المهمة الانقاذية يلي ذلك إن طبق (الجدول) باخلاص و التزم به بتجرد مع تحسس بعمق المسؤولية و خطورة المرحلة سعي جدي لاصلاح و عقد سياسي اجتماعي جديد ..!
في سياق مُتَصل ؛ مع مغادرة الزائر الفرنسي الذي يحمل في مكنوناته الكثير مِن التعاطف و التقدير للبنان
ما تجلى في زيارات عدة كان ابرزها لقاء سيدة الوطن فيروز المعبرة عن وجدان و روعة شعب و جمال وطن عادت طروحات “هذا يقبل و ذاك يريد و الاخر يعترض” فهبت رياح الانانية مع شد العصب و التخويف ..!
إذ سعت الطبقة السياسية تحت عباءة البقاء للأقوى الى المساومة مصرة عَلى تثبيت مكتسباتها سواء بالدستور او بالعرف ما أدى الى تجاوز مدة الامهال ثم و من خلال نقاش مفتوح حول مكامن الخلل و نقاط التجاذب السلبي برزت افخاخ التعطيل في فرض التسميات مع زرع لغم المداورة في الحقائب الوزارية دوران مزمن معتاد في حلقة مفرغة لا تقيم وزنآ و لا تحمل قلقآ لضرورة التملص و الخروج مِن الاعصار الاقليمي الجيو سياسي الضارب الذي سيطيح بكل شيء ..!
توازيآ و عَلى خلفية اعتراف براغماتي فرنسي بدور حزب الله السياسي و تمثيله لشريحة اساسية من الشعب اللبناني اعتبرت الادارة الاميركية ان الرئيس ماكرون تجاوز الخط الاحمر في مبادرته فكان الرد عبر قصف مدروس متدرج تمثل في العقوبات التي فرضت بحق الوزيرين السابقين علي حسن خليل و يوسف فنيانوس
مع مؤسسات أُخرى اعتبرت من وسائل حزب الله التمويلية ؛ اضافة الى التهديد بصدور لوائح اخرى تتضمن أسماء شخصيات تشملها العقوبات سواء مِن الحزب او حليفة له ؛ مِما دفع الثنائي الشيعي الى التشدد في طروحاته و مطالبه في تأليف الحكومة العتيدة معتمدآ مبدئية المواجهة الامر الذي جعل محاولة الانقاذ الفرنسية برسم الفشل و بالنتيجة ضياع الفرصة الاخيرة لاخراج البلد مِن مستنقع الازمة المستفحلة ..
في الحقيقة المؤلمة ؛ وصل فريقي الصراع المحلي الى حائط مسدود كل متشبث بمطلبه دون افق معالجة تضع المصلحة الوطنية فوق كل اعتبار ؛ بدا التمسك بوزارة المالية مِن قبل الثنائي الشيعي صخرة في طريق انتاج الحكومة المرتجاة بِالمقابل ظهر اصرار الفريق الاخر المتمثل برباعي رؤساء الحكومات السابقين حاجزآ خرسانيآ غير قابل للإنزياح أيضآ ..! صُدِم الناس مما يحدث و هُم اصحاب المعاناة ضحايا افقار و تجويع و تهجير مع عقم معالجات فلا هُم يرون في احتفاظ الفريق الاول بوزارة ما عامل قوة و حفاظ عَلى بقاء طائفة كما لَم يجدوا في اصرار الفريق الثاني مكسبآ لطائفة أُخرى ..!
إستنادآ الى ما تقدم ؛ فإن فشل المبادرة الفرنسية سيؤدي الى اطلاق الرصاصة الاخيرة في قلب الوطن إذ سيكون التدهور الامني آخر و أخطر عوامل السقوط و مِن الواضح المتوقع او المرتقب عندها تفلت الشارع مِن كل الضوابط و تفشي جرائم السطو و السلب المسلح و الخطف بقصد الابتزاز المالي الخ .. وصولآ الى الامن الذاتي نتيجة عجز القوى الشرعية عن الاضطلاع بمهامها الامنية ..!
مِما لا ريب فيه ان الحل الاسهل و ألأعقل هو اطلاق يد الرئيس المكلف مصطفى اديب في تشكيل حكومته مع تسهيل مهمتها الانقاذية مِن قبل المكونات السياسية و الحزبية هذا ما يريده الناس اذ لا طاقة لهم عَلى التحمل اكثر ؛ الانزلاق الامني اصبح عَلى العتبة و عندها سوف يندم ألجمع ساعة لا ينفع الندم ..!
———————-
بيروت في 19.09.2020
*مختص في الشوؤن الامنية و مكافحة الارهاب.
*كاتب و باحِث في السياسات و العلاقات الدولية.