الدنيا نيوز – دانيا يوسف
أغنية كتبها الشاعر ميخائيل إساكوفسكي، المولود عام 1900 بمحافظة سمولينسك في الاتحاد السوفيتي. له غيرها الكثير من القصائد والأغاني، لكن شهرتها وانتشارها تعدّت العالم.نتحدث عن أغنية “كاتيوشا” الملحنة
من قبل المؤلف الموسيقي “ماتفي بلانتر”، وهو واحد من أبرز الملحنين للأغاني الشعبية وموسيقى الأفلام في الاتحاد السوفيتي.
يبدو الحزن جليا في كلمات الأغنية، ولكنه حزن مشوب بأمل يظهر من خلال الكلمات واللحن.
تتلخص قصة الأغنية في انتظار صبية لحبيبها الجندي الغائب لخدمة بلاده خلال الحرب العالمية الثانية، إذ غادر الكثير من الرجال زوجاتهم وصديقاتهم للمشاركة في الحرب دفاعا عن الأرض، بينما تحولت الأغنية فيما بعد لشرارة فجرت حماسة المقاومين في أماكن مختلفة من العالم ضد الاحتلال، والأنظمة المستبدة.
ومما يدل على أهمية الأغنية ودورها في رفع معنويات المحاربين، أطلق اسم الأغنية (كاتيوشا) على نوع من قاذفات الصواريخ السوفياتية التي اخترعت في الحرب العالمية الثانية.
أطلقت الأغنية للمرة الأولى خلال حفل أوركسترا موسيقى الجاز التابع للدولة في خريف عام 1938، وبدأت شعبية الأغنية تتصاعد مع تدخل الاتحاد السوفيتي في الحرب عام 1939، عندما غنتها طالبات من كلية موسكو كوداع لمجموعة من الجنود المشاركين في الحرب. ومما يدل على أهمية الأغنية ودورها أنها أخذت طابعا وطنيا ساهم في إلهام الكثيرين.
حب مُصان
تحيط كلمات الأغنية الصبية “كاتيوشا” بمشهد طبيعي، تزدهر فيه أشجار التفاح والخوخ، ويهبط ضباب الصباح فوق النهر، لتصعد هي على حافة الجرف. وفيما يبقى الضباب ساكنا على حاله، تنزل هي حتى تصل إلى حافة النهر، فتقف وتغني عن نسر رمادي شامخ في السهول، وعن حبيبها المحارب على حدود بلاده، حيث الحرب التي تفرّق بين الناس، وتسقيهم مرارة الشعور بالفقد.
إلا أن الأغنية أثبتت في معناها قدرة الحب على فرض وجوده حينها، رغم الفظائع التي أحدثتها الحرب العالمية الثانية (1939 – 1945)؛ فقد أودت بحياة 50-60 مليون شخص، معظمهم من المدنيين في الاتحاد السوفيتي والصين، بعد أن شاركت فيها غالبية دول العالم، بما في ذلك جميع القوى العظمى، لتشكل في نهاية الأمر جيشين متحاربين: الحلفاء والمحور، كما استخدمت خلالها لأول مرة -وآخر مرة حتى يومنا هذا- الأسلحة النووية، عندما قصفت الولايات المتحدة الأمريكية مدينتي “هيروشيما” و”ناغازاكي” اليابانيتين بقنابل نووية في نهاية الحرب عام 1945.
ولأن لكل كلمة غاية، فإن الهدف من الأغنية بكلماتها ولحنها هو أن تطير إلى حدود الشمس ليصل السلام إلى الجندي البعيد، ليسمعها ويفكر بها وهي تحرس حبهما، كما يحرس هو الوطن. ويبدو أن السلام قد وصل إلى أبعد من المكان المبتغى، ليصل إلى بقاع متباعدة حول العالم.
انتشار عابر للقارات
لم تصل “كاتيوشا” إلى الجندي البعيد فحسب، إنما وصلت إلى جنود ومقاومين آخرين في أماكن بعيدة كثيرة أيضا، خصوصا حين جرى استخدام لحنها بكلمات أخرى من لغات مختلفة.
فبعد انطلاقها بالروسية، غُنيت “كاتيوشا” بالإيطالية، باللحن ذاته، تحت عنوان “صفير الريح”، إذ كتب الطبيب الشاب، فيليس كاسكيوني، كلمات الأغنية بالإيطالية، التي تحرّض الحركة الحزبية على الانتقام الشديد رغم قسوة الموت، والاستمرار في المسير رغم أن الأحذية قد تقطعت، وصولا إلى شمس المستقبل بقلب وضربة قويتين، في كل بلد هو موطن للمتمرد، وتضيء النجوم له الطريق لترشده أثناء الليل.
كان ذلك خلال مقاومة الثوار الإيطاليين للقوات الألمانية والفاشيين الإيطاليين، بعد أن استسلمت حكومة “بادوليو” أمام الحلفاء، وسيطر الألمان على روما وشمال إيطاليا، وقام نظام فاشي تحت قيادة “موسوليني”.
كما كُتبت النسخة اليونانية من الأغنية بعنوان Anthem of EAM، وEAM هو اختصار لـ”جبهة التحرير الوطني”، التي كانت الحركة الرئيسة للمقاومة اليونانية خلال مواجهة الغزو الألماني. وأشادت كلمات الأغنية بالحركة التي أنقذت الشعب اليوناني من الجوع كما ستنقذه من العبودية، ووحدت كل الأطياف، فيما كانت كل فئات الشعب تعمل بأمانة، وتهتف باسم الحركة.
أما في الصين فقد كانت “كاتيوشا” واحدة من أكثر الأغاني شعبية هناك، بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، حيث غناها الجنود الصينيون. كما غناها الصينيون مع تأسيس جمهورية الصين الشعبية عام 1949، نظرا لتأثر جمهورية الصين بالاتحاد السوفيتي خلال النصف الثاني من القرن العشرين.
وعربيا، لاقت الأغنية رواجا بعد أن انتشرت في العالم بلحنها المؤلف بسلاسة وزخم، كما عزفها “فريق الموسيقى العسكرية المصرية”، في إطار مشاركته الأولى بفعاليات المهرجان الدولي العاشر للموسيقى العسكرية “برج سباسكي”.
وعلى شاكلة “كاتيوشا”، فقد انتشرت أغان كثيرة بين المناضلين في العالم مثل الأغنية الإيطالية “يا حلوتي وداعا” التي رددها مقاومون إيطاليون لنظام “موسوليني” الفاشي، إلى جانب “نشيد الأنصار”، وهو نشيد فرنسي كتب كلماته ضابط كان قد نجا من قصف ألماني، وأغان أخرى تؤكد قدرة الموسيقى على خلق حالة إيجابية مناهضة للحرب وتبعاتها