أسطورة الملك آرثر والطاولة المستديرة .. فارسٌ نما بنمو الفروسية في العصور الوسطى
دانيا يوسف*
تعد أسطورة الملك آرثر واحدة من سلسلة الأساطير الكلتية التي ارتبطت بأبناء شعب ويلز الذين غزتهم قبائل الأنكلو سكسون، وأخرجتهم من إنكلترة، ثم غزاهم فيما بعد النورمنديون.
وتدور الأسطورة حول شخصية الملك آرثر وفرسانه وهي تتحدث عن سيف صنع فى بريطانيا من الحديد الخالص من نيزك سقط فى انجلترا وكان ذو بأس شديد اسمه اكسكاليبور. وتمّ اهدائه للفاتح الكبير يوليوس قيصر وتناوبت سلسلة اولاد واحفاد يوليوس من القياصرة الحكام هذا السيف الى ان جاء اليوم الذى سقطت فيه الامبراطورية الرومانية وسقطت روما ايضا.
وكان آخر معاقل الروم هو الفيلق التاسع في انجلترا فعاد البقية المتبقية اليها ومعهم ابن القيصر الذى قتل دفاعا عن روما وهناك شب القيصر الصغير وسمى نفسة “بندراجون” Pendragon أو ابن التنين.
وعندما شب هذا الصبي وامتلك الحكم انجب طفلا وخاف عليه من المكائد لانهاء السلالة الملكية القيصرية الرومانية. فأعطاه للساحر “ميرلن” كي يربيه ويعتني به وكان هذا الولد يسمى “آرثر”.
بعد موت الملك بقي العرش خاليا فجمع مرلين كل الناس وأظهر لهم سيفا مغروزا في سندان على صخرة مكتوب عليه أن من يمكنه سحبه يكون الملك الشرعي لكل إنكلترا. فشل الجميع في سحبه ما عدا آرثر وكان في الخامسة عشرة من عمره واثبت احقيته في تولي الملك.
وأصبح “ميرلين” مستشاره الروحي حيث ألهم “آرثر” لإقامة أول تعديلات جذرية وغير مسبوقة على نظام الحكم الإقطاعي المعمول به ، ومنه خرجت فكرة “الطاولة المستديرة”.
حول هذه الطاولة اعتاد الملك الإنكليزي أن يتحاور مع فرسانه متخذاً من شكل تلك الطاولة رمزاً لمبدأ النديّة التي شكّلت قوام علاقته بهم.
فليس هناك رئيس للطاولة، ولا تفضيل في الأصوات بين الحضور.
هذه الطاولة لم تكن طاولة بالمفهوم المادي فقط، بل كانت تجسد روح التساوي والعدالة بين المجتمعين.
لذا فأن أي من الجالسين له موقع مميز ويعامل معاملة مستوية ومتكافئة مع أقرانه كتساوي جوانب تلك الطاولة المستديرة. ومن كلماته المأثورة:أنا منكم، وأنتم مني! إننا بمنزلة الجسم البشري المؤلف من العديد من الأعضاء التي تعمل معاً!
وتقول الأسطورة أن الامبراطور الروماني لوسيوس Lucius طلب من الملك آرثر أداء ما وجب عليه للامبراطورية ولكن آرثر رفض وأعلن الحرب على الامبراطور.
وترك زوجته والمملكة تحت رعاية ابن أخيه مودرد Modred. وحين كان آرثر على وشك الدخول إلى روما لمواجهة الامبراطور، علم أن مودرد استولى على العرش وسجن زوجته. عاد آرثر إلى بلاده فتراجع مودرد إلى كورنويل حيث لقي حتفه هو وكل فرسانه في المعركة التي واجه بها الملك آرثر ولكن ليس قبل أن يجرح الملك جرحاً بليغاً.
أُخذ بعدها إلى جزيرة أفالون Avalon لتشفى جراحه ويعود يوماً ما إلى شعبه.
لشخصية الملك آرثر عدة جوانب أهمها الجانب التاريخي الذي ظهر في كثير من كتب التاريخ اللاتينية والفرنسية والإنكليزية والتي أبرزت الملك آرثر شخصية تاريخية حقيقية وقائداً عسكرياً دافع عن الشعب البريطاني إزاء هجمات الأنكلوسكسون. وورد ذكر الملك آرثر مطولاً في كتاب بعنوان “تاريخ بريطانية” عام 800 م يذكر فيه الكاتب نينّيوس Nennius كيف دافع الملك آرثر عن شعبه وحارب الأنغلوسكسون في اثنتي عشرة معركة وانتصر عليهم. أما الجانب الأسطوري فقد ظهر حين تطورت قصة الملك آرثر ونُسجت حوله أساطير عدة أضافت إليه صفات بطولية وسمات إلهية.
ففي كتاب آخر بعنوان “تاريخ بريطانية” أيضا للكاتب الويلزي جيفري أف مونموث Geoffrey of Monmouth الذي جمع معلوماته من كتّاب وشعراء قدامى ومن التراث الويلزي. وبمساعدة خياله أضاف إلى صورة الملك آرثر صفات الأسطورة والفروسية والمغامرة حتى بات من الصعب تمييز الجزء الواقعي من الأسطوري أو الخيالي. وصورة الملك آرثر الفارس نمت بنمو الفروسية في العصور الوسطى فجاءت الأسطورة لتبرز روح الفروسية ومنجزاتها.
وعموماً، تعد أسطورة الملك آرثر من أكثر الأساطير شعبية حتى اليوم، فهي ما تزال تظهر في الأفلام السينمائية وفي كتب الأطفال. وهناك مقولة خرافية تقول إن الملك آرثر لم يمت وإنه سيعود يوماً ليحكم بريطانيا. وبين الفينةِ والأخرى يحدث أحد المؤرخين ضَجَّة مفتعلة ضمن محاولات يائسة لإثبات حقيقة آرثر، مرةً باكتشاف قبره في جزيرة أفالون السحرية، الخيالية المعروفة الآن باسم غلاستونبيري، ومرة باكتشاف مخطوطة لراهب في أحد الأديرة. وفرضيات كثيرة منها أن جزيرة “كاميلوت” اختفت بشكل مفاجئ في منتصف القرن السابع بهزة أرضية، أو بسبب ارتفاع منسوب المياه في البحر، لكنَّ بعض الأكاديميين يميلون إلى أنَّ آرثر قائد روماني قاومَ غزو القبائل السكسونية الألمانية.
ومهما يكن من أمرها فلا شك ان تلك الشخصية تركت اثرا مستمرا على الفن والموسيقى والادب والمجتمع منذ العصور الوسطى وحتى الوقت الحالي. وقد أصبح آرثر رمزا للخير في محاربة الشر، واصبحت مملكته كاميلوت نموذجا لليوتوبيا او المجتمع المثالي. وكان آرثر ينهي فرسانه عن القتل والخيانة والقسوة ويطالبهم باستعمال الرأفة مع من يطلبها، وينهي عن شن الحروب بهدف الاستيلاء على الغنائم.