أدب الرحلة: “سياحتنامه” لأوليا جلبي Olia Djalabi

 

خاص الدنيا نيوز – دانيا يوسف*

 

الرحّالة: “أنا أوليا جلبي بن درويش محمد آغا ظلي ولدت في إسطنبول في 25 آذار/ مارس عام 1611. عمل أجدادي لجهة أبي وأمي في خدمة السلاطين وانتقل الأمر الى والدي درويش محمد ظلي الذي اشتهر بمواهبه الحرفية والشعرية. عاش أبي مئة وسبع عشرة سنة والتحق بخدمة عشرة سلاطين عثمانيين من سليمان الأول القانوني إلى إبراهيم بن أحمد الأول.”
يكثر تداول اسم ابن بطوطة كونه الرحالة الأشهر في العالم الإسلامي وتاريخ الرحلات العربية والإسلامية، إلى جانب عددٍ آخر من الرحّالة العرب والمسلمين، إلا أنّ قليلًا من يعرف أو يسمع بالرحالة التركي “أوليا جلبي”.
اسمه الحقيقي غير معروف قيل إنه حافظ محمد خواجه. يحيط الغموض بالكثير من جوانب حياته، ومعظم المعلومات المتوافرة عنه مأخوذة من كتاباته ولقبه “أوليا” مقتبس من اسم معلمه الإمام في السرايا السلطانية أوليا محمد أفندي وكلمة اوليا تعني السيد الولي.
الرحّالة: “عندما أنهيت دراستي الأولى التحقت بمدرسة شيخ الإسلام حميد أفندي في إسطنبول حيث أمضيت سبع سنوات متتلمذا على يد أستاذه أوليا محمد أفندي. ثم درست أحد عشر عاما في مدرسة القصر العثماني التي تأسست في عهد السلطان مراد الرابع وكانت تقوم بتدريس علوم القرآن والحديث والأدب واللغات كاليونانية والعربية والفارسية، إضافة إلى المنطق والرياضيات، وأصول وتقاليد القصر العثماني، وقواعد البروتوكول والبيروقراطية والرياضة ومختلف الفنون”.
عمل أوليا جلبي في القصر السلطاني أربع سنوات، وبفضل نباهته قرّبه السلطان مراد الرابع إليه ومنحه لقب “سباهي” أي فارس ومنها انتقل إلى فرقة الفرسان “السباهية” وذلك قبيل حملة السلطان على بغداد عام 1638 لاستعادتها من حكم الصفويين.
ومنذ التحاقه بالبلاط السلطاني وحتى أربعين عاما بعدها قام أوليا جلبي بزيارة مناطق متعددة داخل الدولة العثمانية وخارجها لمهمات رسمية، أو لمرافقة كبار الموظفين العثمانيين أو بصفة شخصية. كما شارك في الحملات التي وجهت إلى كريت والمجر والنمسا وغيرها. ومما لا شك فيه أن مشاركة أوليا جلبي في الحملات العسكرية والمهمات الخاصة هي التي شحذت همته على القيام برحلاته في أصقاع الأرض.
الرحّالة:” شكّل عام 1630 للميلاد حجر الزاوية لرحلاتي حيث كنت متشوقّا لرؤية العالم من حولي والاطلاع على عادات الناس وتقاليدههم عن كثب. شرعت في رحلتي من إسطنبول ثم انتقلت إلى مدن الأناضول القريبة ومنها إلى العالم الفسيح فتجولت في ثلاث قارات هي آسيا وأوربا وإفريقيا وسجّلت معلومات موجزة عنها من خلال بعض كتب التاريخ المعروفة.”
يجمع الباحثون على أن كتاب سياحتنامه من أهم المصادر عن الدولة العثمانية في القرن السابع عشر الميلادي. فهو يتميز بأهمية معلوماته من النواحي الإدارية والتاريخية والجغرافية، كما أنه يلقي أضواء مهمة على البنى الاجتماعية والاقتصادية لعدد من المناطق وللشعوب التي زارها المؤلف، ويظهر في الوقت نفسه، ثقافة الطبقة العثمانية المتعلمة التي ينتمي إليها المؤلف ونظرتها إلى الدول والشعوب التي عاصرتها.
وقد سجل جلبي مشاهداته بأسلوب قصصي سلس، الأمر الذي دفع بعض الباحثين إلى اعتبار كتابه مصدرا مهما في تأسيس تاريخ القصة التركية. ويظهر أسلوبه في وصفه لمصر في المجلد العاشر والأخير.
الرحّالة: “في مصر من العلوم والعجائب التي عمرت الدنيا… فهؤلاء حكماء الأرض وعلماؤها الذين ورثوا الحكمة من مصر خرجوا وبها ولدوا ومنها انتشرت علومهم في الأرض… وكانت مصر يسير إليها في الزمن الأول طلاب العلم وأصحاب العلم الدقيق لتكون أذهانهم على الزيادة وقوة الذكاء ودقة الفطنة. وربما لهذا يسمون مصر أم الدنيا ولا يسمونها أبو الدنيا. هي أم الدنيا لأنها الرحم الذي لا ينضب بل يصدر أولاده إلى البلاد العقيمة من دون وصاية من أب”.
كان أوليا جلبي كاتبا خياليا ذا ولع واضح بكل ما هو مدهش وغريب. وهو يفضل الأسطورة على الحقيقة التاريخية المجردة فينغمس في المبالغات بحرّية، وأحيانا لا يتحاشى التفاخر أو النوادر المخصصة للتأثير الهزلي. لذا اعتبر بعض النقّاد أن كتابه سياحتنامه يبدو في المقام الأول مؤلفا أدبيا بسيطا من مؤلفات القرن السابع عشر الذي أرضى حاجة المفكرين الأتراك في عصره للتسلية والتعليم. وبفضل استخدام الأسلوب القصصي التركي التقليدي أحيانا والتركية العامية السائدة في القرن السابع عشر، كان واضحا ومفهوما لاوساط أوسع وهذا الهدف الواضح يفسر افتقار أوليا للاهتمام بالحقيقة التاريخية. فهو يصف أحيانا رحلات لم يستطع هو القيام بها. وان طموحه الأدبي غالبا ما كان يدفعه إلى تسجيل أشياء وحوادث يدعي انه كان قد رآها وجربها بنفسه، في حين ان الفحص الدقيق يكشف انه لم يعرف عنها إلا سماعا، أو انه مدين للمصادر الأدبية التي لم يذكرها.
توفي أوليا جلبي عام 1683 وذلك عن عمر يناهز السبعين عاما، قضاها في حل وترحال.

————————————

* رئيسة القسم الثقافي في “الدنيا نيوز”٠