أدب الخيال العلمي … كوكب القردة
“الدنيا نيوز” – دانيا يوسف
“حدث هبوطنا على كوكب احتوى مثل كوكبنا محيطات وجبال وغابات وحقول وبلدات. لم يكن هناك مجال للشك أننا هبطنا على كوكب توأم لكوكب الأرض، وعرفنا فيما عرفناه، أن الحضارة قائمة ولكن لا يمكن أن نسمي المحسوبين عليها بالبشر. لم يعد من الممكن أن أخدع نفسي، فلقد أفاقتني من غيبوبتي، أصوات الطلقات النارية التي كانت القردة هي من يطلقها… شاهدت وأنا مرعوب كيف باتت المنطقة مليئة بجثث البشر. لمحت غوريلا ثانية وثالثة… عملية هائلة اصطفت خلالها البنادق على أكتاف القردة، والبشر هم الطرائد… بشرٌ مثلنا، يتلوّون بألم وينزفون”.
لا بدّ لكلّ من يقرأ هذه الكلمات من أن يدرك بأن من كتبها قد أعمل خياله بحثاً ليصف ما آل إليه حال الجنس البشري الذي وصل به الاقتتال حدا خلع عنه كل صفات الإنسانية. وبما أن البقاء يكون للأقوى أو للأصلح، وبما أن الإنسان لم يعد هو الأصلح بعد تخلّيه عن الكثير من القيم الإنسانيّة، جعل الكاتب الفرنسي بيير بول Pierre Boulle القردة في كوكبه المتخيّل قردة متحضرين، ولديهم القدرة على الكلام والكتابة، فيما بدا البشر بدائيين وغير قادرين على التواصل.
بيير بول كاتب وروائي فرنسي ولد في 21 شباط/فبراير سنة 1912 بمدينة أفينيون في فرنسا. حصل على دبلوم الهندسة من المدرسة العليا للكهرباء ثم ذهب للعيش في الشرق الأقصى حيث عمل في زراعة شجر المطاط في ماليزيا ليستقر بعد ذلك في الهند الصينية. انضم إلى القوات التي عرفت بالقوات الصينية الاسيوية الفرنسية عام 1941 وقاتل اليابانيين في الصين، مينمار وفي شبه الجزيرة الهندية الصينية. تمّ أسره ولكنه استطاع الفرار سنة 1944 والعودة إلى فرنسا. هذه التجربة العسكرية في آسيا ستكون مصدر إلهام كبير لروايته “جسر فوق نهر كواي” رواية نشرت سنة 1951 حيث تم طباعة ملايين النسخ منها وحققت أعلى نسبة مبيعات حول العالم. وفي عام 1963، وبعد صدور العديد من الروايات الناجحة، قام بيير بول بإصدار روايته “كوكب القردة” التي لاقت نجاحا كبيرا وأنتج حولها عددا كبيرا من الأفلام السينمائية. توفي بيير بول في باريس في الثلاثين من كانون الثاني/يناير عام 1994 عن عمر يناهز 81 عاما.
“كوكب القردة” رواية خيال علمي تدور أحداثها عام 2500 حين تنطلق بعثة علمية نحو كوكب مكتشف حديثاً. البعثة تتكون من ثلاثة أشخاص وهم عالم الفضاء المرموق، والصحفي التوّاق لمعرفة كل شيء، والطبيب المنهمك في تخصصه العلمي.
وما إن يشرع هؤلاء الثلاثة في رحلتهم إلى “منكب الجوزاء” الذي يبعد عن الأرض قرابة 300 سنة ضوئية ويصلوا إلى هدفهم حتى يكتشفوا أن هذا الكوكب يشبه كوكبنا الأرضي تماما. ومنكب الجوزاء نجم ضخم قطره أكبر من قطر الشمس بمئات المرات وفيه أشجار ونباتات وحيوانات. عند وصولهم، انتبهوا إلى أن سكانه من القردة المتحضرة التي تحكم ذلك الكوكب، وتهيمن فيه على الإنسان الذي أصبح بدائيا، ولا يمتلك قابلية التواصل مع الآخرين أو القدرة على الكلام.
تتمثل المفارقة الرئيسة في هذا العمل الروائي أن بطل الرواية الصحفي ميرو الذي ينجح في الهروب مع زوجته التي أنجبت له ابنا سيكتشف أن هذا الكوكب الذي هو فيه هو الأرض!
فبعد أن أمضت سفينتهم أشهرا عديدة من السفر بين المجرات، كانت قد مرت مئات السنوات على الأرض لكنهم ما إن حطوا عليها حتى اكتشفوا أن القردة هي التي تحكم هذا الكوكب وأن الإنسان هو مجرد عبد للقردة التي ورثت حضارته لكنها لم تستطع تطويرها.
تتبنى الرواية الفكر الدارويني بشدة خاصة أنها كتبت في الستينات وهي الفترة التى علت فيها أصداء نظرية داروين وتبناها الكثيرين ممن يرون أن الانسان لا يتربع بالضرورة على أعلى مراتب سلم التطور، وأنه من الممكن أن تتفوق عليه أجناس أخرى قد تكون ظاهرياً أقل تطورا ولكنها أكثر تأقلماً مع ظروف الحياه الجديدة ولا يسكنها نفس غروره وغطرسته.
ورأى بعض النقاد أن هذه الرواية ما هي إلا إسقاط شديد اللهجة على أحداث الحرب العالمية الثانية حيث اليابانيين كالأشرار أو كما صورتهم الرواية بالقرود. ويرجع هذا التفسير إلى التجربة القاسية التى خاضها المؤلف أثناء فترة اعتقاله في الحرب العالمية الثانية على يد الجنود اليابانيين.
ورأى آخرون أن هذه الرواية تنتمي الى ما يعرف ب”أدب ما بعد الكارثة” وهو الفرع الذي تنتمي له تلك الاعمال المتعلقة بنهاية الوجود البشري او اضمحلاله على الارض. ولا يميل هذا الادب لوصف الكارثة بل العالم بعدها ومقدار تأثير الكارثة عليه.