ولادة تنظيم إرهابي ..!
بقلم العميد مُنْذِر ألأيوبي*
سجن “بوكا” Camp Bucca – سُميَّ وفاءً لذكرى الجندي (رونالد بوكا) Ronald P.Bucca أحَد قادة فرق إطفاء مدينة نيويورك FDNY الذي لقي حتفه إثْرَ هجمات 11.09.2001 سَبَقَ و كان مِن عديد “القبعات ألخضر” و القوات الخاصة الاميركية ASF قبل تقاعده- هو عبارة عن معسكر إعتقال و جزء مِن منشأة عسكرية أميركية تقع في محافظة البصرة محيط مدينة أم قصر العراقية .. عام 2003 و في أحدى باحات المعتقل إلتقى سجينان ملتحيان هما إبراهيم عواد ألسامرائي الملقب (أبو بكر البغدادي) و ألحاجي عبدالله العفري (عبدالله قرداش) و سرعان ما توطدت العلاقة بينهما على خلفية دينية جهادية و إيديولوجية أسست و أطلقت تنظيمآ مسلحآ إرهابيآ عرف لاحقآ بإسم الدولة الاسلامية في العراق و الشام «داعش»..
ليل 26/27.10.2019 نفذت قوة مشتركة مِن الجيش الاميركي يقدر عَديدُها ب 50 عنصرآ مِن وحدتي العمليات الخاصة (دلتا) SFOD-D و ألنخبة ألبحرية SEAL’s على متن ثماني طوافات عسكرية نوع MH-47 Chinook و Black Hawk تابعة للوحدة th160- Airborne SOAR- عملية ألإغارة الخاطفة المرمزة “كايلا مولر” Kayla Mueller (( تيمنآ بإسم الناشطة في مجال حقوق الانسان التي اعتقلت و قتلت عام 2015 على ايدي مجموعة ارهابية داعشية )) على قرية “باريشا” Barisha التي تبعد 6 Km عن الحدود التركية – السورية في ريف محافظة ادلب شمال سوريا ..! اعلن عن العملية لاحقآ رئيس هيئة الاركان الاميركية المشتركة الجنرال « مارك ميلي » Mark Milley متحفظآ عن ذكر أيٍ مِن تفاصيلها مؤكدآ أنها أسفرت عن مقتل أمير تنظيم (داعِش) ألإرهابي ابو بكر البغدادي و مساعده (أبو الحسن المهاجر) كما ضبطت كمية مِن الوئائق و أحتجز شخصان آخران مجهولا الهوية – مِن المحتمل عملهما لصالح جهاز المخابرات الاميركية CIA في دورهما تأكيد وجود الهدف ألمنوي ألإطباق عليه ..!
لم يتأخر الاعتراف بمقتل أمير التنظيم و مساعده عبر رسالة صوتية عممها رئيس الجناح الاعلامي والمتحدث بإسم (داعِش) ألمدعو أبو حمزة ألقرشي و في حين تضمن التسجيل تسمية المدعو “أبو ابراهيم الهاشمي القرشي” سعودي الجنسية لقيادة التنظيم ، تزامنآ سُرِب ان “عبدالله قرداش” الملقب حاجي ابو عمر العفري حسم الامر لمصلحته علمآ و إستنادآ لما توفر فان البغدادي سَبَقَ
و رشحه أميرآ و خليفة له “لرعاية شؤون المسلمين” ..!
تاليآ و ضمن بحر مِن الالقاب و الاسماء مع التشديد عَلى “كلمة أبو … ” تلقى أو تعتمد و تطلق عَلى مَسؤولي التنظيم الارهابي سواءً تضليلآ معتادآ سرعان ما ينكشف أو حقيقة معلنة فإن عبدالله قرداش ذو ألاصول التركمانية يحمل الجنسية العراقية مِن مواليد قضاء تل عفر غرب مدينة الموصل ؛ سَبَقَ و تولى أسوأ و أقذر المهام (وزير التفخيخ و الانتحاريين) كما سعى لقيادة التنظيم في لُبنان قبل تصدي الجيش و الاجهزة الامنية و المقاومة للخلايا الارهابية التابعة له و دحره عسكريآ في معركة “فجر الجرود” ..!
مِن جهة أخرى ؛ و في رهان استخباراتي عَلى ان هيكلية التنظيم الارهابي قاربت الانهيار إثر تلقيه سلسلة ضربات موجعة ادت الى اندحاره في سوريا ثُم مقتل زعيمه “ألبغدادي -” عَلى يد القوات الاميركية ؛ إلا أن التنظيم لم يتهاوَ بل حفز قياداته إذ تمكن “قرداش” الضابط السابق في الجيش العراقي زمن الرئيس صدام حسين مِن لملمة التنظيم و اعادة ترتيب و توحيد صفوفه و خلاياه مما جعله بالتالي هدفآ مطلوبآ يفترض اعتلامه و ملاحقته و في هذا السياق سعت المخابرات العراقية إلى إقتناصه قبل نجاحه في أستعادة الزخم القتالي لمجموعاته و رفع معنويات عناصره بعد خسارته آخر جيوب التنظيم ألباغوز -دير الزور أواخر شهر آذار الماضي مِما دفعه إلى ألثأر خارج ملعبه السوري – العراقي عَبرَ تنفيذه سلسلة تفجيرات سيريلانكا التي سقط فيها عشرات الضحايا ..!
مصادر استخباراتية متحفظة إعتبرت أن زعامة (قرداش) للتنظيم يصنف بدرجة “عالي الخطورة” فالرجل يعتمد إستراتيجية أللامركزية ألعملانية و العمليات الارهابية ذات النوعية المثيرة للرعب في صفوف المدنيين حيث إستهدافهم مباشرة ضمن عنف دموي و قتل عشوائي غبر مسبوق ، كما أنه لا يتوانى عن اطلاق ذئابه المنفردة للضرب الموجع في اوروبا و افريقيا و لن يتردد في سعي دؤوب لاشعال الفتنة السنية-الشيعية في العراق بهدف شرذمة وحدات الجيش العراقي و تأجيج الخلافات الداخلية ؛ مِن هذا المنطلق تنشط اجهزة الاستعلام العراقية و الاقليمية في البحث عن مخابئه و انماط تحركاته لتطال راسه ..!
بألتوازي تناقلت بعض وسائل الاعلام ان جهاز المخابرات الوطني العراقي تمكن منذ 72 ساعة من توقيف المدعو عبد الناصر قرداش المرشح لخلافة البغدادي ليتبين أنه شقيق عبدالله قرداش قائد التنظيم حاليآ .. بألمقابل اورد موقع (كردستان 24) ألإخباري أن قوات سوريا الديموقراطية “قسد” هي التي اوقفت قرداش خلال معارك الباغوز الاخيرة ثم سلمته اول مِن امس للأمن العراقي لكن كل هذا اللغط حول عملية التوقيف
لا يمنع تجاهل إعتباره صيدآ ثمينآ و مصدرآ معلوماتيآ هامآ يستثمر ..!
مِن هذا المنطلق لَم يكن بعيدآ عن الواقع او مُستغربآ إعلان و تأكيد رئيس جهاز المخابرات العراقية سابقآ
و رئيس مجلس الوزراء العراقي الجديد حاليآ مصطفى ألكاظمي خلال ترؤسه الاجتماع التحضيري لهيئة التنسيق العليا بين المحافظات عن إحباط ألأجهزة الاستخباراتية عملية ارهابية ضخمة إعترف بالتحضير لها و كشف عنها الرجل الثاني في تنظيم داعِش عبدالناصر قرداش الذي تم اعتقاله الاربعاء الماضي ..!
إستطرادآ ؛ ضمن نظرية “الايدي الملوثة” في اجهزة المخابرات ألدولية أو الاقليمية التي تدعم التنظيمات ألإرهابية أو تساهم في خلقها خفيةً أو خلسةً حينآ و تقاتلها بشراسة في العلن أحيانا أُخَر
و ذلك وِفقآ لمصالح حكوماتها فإن هذا لا ينفِ أن ألسجون و المعتقلات تشكل ارضية خصبة و مرتعآ مدرسةً لإنشاء الميليشيات الجهادية و الخلايا الارهابية ، هذا ما حصل في معتقل او سجن بوكا منذ 15 عامآ تقريبآ و هذا ما ينطبق عَلى معظم سجون العالم الثالث مع بعض الاستثناءات ..
المعهد الدولي للعدالة وسيادة القانوننَظم ورشة عمل إقليمية عام 2018 في العاصمة النيجيرية (أبوجا) Abuja تحت عنوان “إستخبارات السجون لمكافحة الارهاب” هدفت الى وضع برنامج متابعة المتهمين بجرائم ارهابية داخل السجون و منع تحول مرتكبي الجرائم الجنائية إلى مرتكبي جرائم ارهابية ، كما وفرت منصة للمشاركين بُغيَة مناقشة و تبادل الخبرات الوطنية كذلك تقييم المخاطر و حماية المعلومات الاستخباراتية الوقائية او الاستباقية ، اضافة الى وضع استراتيجيات التصدي لتهديدات التطرف
و تلافي أوامر الهجمات الارهابية الصادرة مِن غرف السجون ذات الخصوصية الامنية ..!
بيروت في 23.05.2020