“الدنيا نيوز” – دانيا يوسف
احترت في وصفك: هل انت شاعر أم محارب، هل أنت مقيم أم منفي؟ أريد أن أرسم شكلك أيها المتطاير على أجنحة العصافير والمحاضر بين الريح والخنجر. أريد أن ارسم وطنا من خلال كلماتك فعلّمني كيف تصير الريشة حرفا والوطن ايقونة أنت صاحبها!
“اسمي السري الوحيد
محمود درويش
أما اسمي الاصلي
فقد انتزَعَته عن لحمي
سيط الشرطة وصنوبر الكرمل
كان عمرا قصيرا
وموتا طويلا
وأفقت قليلا
وكتبت اسم أرضي على جثتي
وعلى بندقية”
وانت قلت في قصيدة الأرض:”في شهر آذار، في سنة الانتفاضة، قالت لنا الأرض أسرارها الدموية. “وقلت أيضا:”في شهر آذار، قبل ثلاثين عاما وخمس حروب، ولدت على كومة من حشيش القبور المضيء:
محمود درويش:” أجل قلت ذلك في هذه القصيدة التي تعني لي الكثير. ولدت في الثالث عشر من شهر آذار\مارس من العام1941 في قرية صغيرة وادعة شرقي عكا تدعى “البروة”. كانت قرية جميلة وهادئة تقع على هضبة خضراء ينبسط أمامها سهل عكا وكنت ابناً لأسرة متوسطة الحال تعتاش من الزراعة.
وعندما بلغت السابعة من عمري توقفت ألعاب الطفولة”.
هل ما زلت تذكر جيدا هذه المرحلة؟
محمود درويش:”وكيف لي أن انساها. انها محفورة في أعماقي وأذكر جيدا تلك الليلة الصيفية عندما أيقظتنى أمي من نومي فجأة فوجدت نفسي أعدو، مع مئات من سكان القرية فى الغابة. كان الرصاص يتطاير فوق رؤوسنا ولم أفهم ما يجري حتى وصلت مع أحد أقاربي الضائعين في كل الجهات إلى قرية غريبة مع أطفال آخرين، تساءلت بسذاجة : أين أنا؟ وسمعت للمرة الأولى كلمة لبنان”.
وكيف لك ان تصف لي هذه المرحلة:
محمود درويش(يتنهد):”كنت أقف في طابور طويل لأحصل على الغذاء الذي توزعه وكالة اغاثة اللاجئين الفلسطينيين. وهنا استمعت الى كلمات جديدة فتحت أمامي نافذة الى عالم جديد:الوطن،الحرب،الأخبار،اللاجئون،الجيش، الحدود… وبواسطة هذه الكلمات بدأت أدرس وأفهم وأتعرف على عالم جديد وعلى وضع جديد حرمني طفولتي. ”
وبعد أكثر من سنة قضاها محمود درويش بصفته لاجئا في لبنان عاد الى وطنه فلسطين ليعيش لجوءا من نوع آخر:
محمود درويش:”وصلنا الى قرية دير الأسد وهي ليست قريتي. لا بيتي هنا ولا زقاقي. ولم افهم شيئا. لم أفهم معنى أن تكون القرية مهدمة، لم أفهم معنى أن يكون عالمي الخاص قد انتهى الى غير رجعة ولم افهم لماذا هدموا هذا العالم ومن أولئك الذين هدموه. ورويدا رويدا اعتدت على حياة الكبار وقضايا الكبار واتضح لي بمنتهى خيبة الأمل أني لم أعد الى منبع الاحلام ولم أعد الى زقاق الطفولة. كنت لاجئا في لبنان وأنا الآن لاجئ في بلدي. ”
تعلّم محمود درويش في فلسطين المحتلة حتى نال الشهادة الثانوية وتعرّض في ذلك الوقت لكل ما يتعرّض له العرب من ضغوط شديدة حتى لا يتّموا تعليمهم الجامعي أو يحسّنوا وضعهم الثقافي. بعدها بدأ يكتب للصحف العربية التي تصدر في فلسطين ومنها جريدة “الاتحاد” ومجلة “الجديد” وهما من صحف الحزب الشيوعي الاسرائيلي.
دخل محمود درويش السجون الاسرائيلية أكثر من مرة منذ العام 1961 حتى العام 1969 وهناك كتب أجمل قصائده.
محمود درويش:
“سجّلْ أنا عربي
ورقم بطاقتي خمسون ألفْ
وأطفالي ثمانية
وتاسعهم سيأتى بعد صيفْ
فهل تغضبْ؟
سجل!
أنا عربي
وأعمل مع رفاق الكدح فى محجرْ
وأطفالي ثمانية
أسلّ لهم رغيف الخبز
والأثواب والدفترْ
من الصخر. . .
ولا أتوسل الصدقات من بابِكْ
ولاأصغرْ
أمام بلاطِ أعتابكْ
فهل تغضبْ؟”
(في الجزء الثاني: محمود درويش بين حياة الترحال والحنين الى الوطن)