زيارة جبر الخواطر.. بين الحوار والتشاور
بِقَلَم العَميد مُنْذِر الايوبي*
في الأخير المُستَنتج أتَت زيارة المبعوث الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان إلى بيروت من نوع “جبر الخواطر” دون تجاهل عمقها الآني والدائم ذو الصفة النفعية المصلحية وإن بحدود..! ووفق ما رُويَّ وصُرِح انها استطلاعية هدف تلمس تغييرات قابلة للاستثمار في مواقف الافرقاء السياسيين، بما يفضي الى انهاء الفراغ الرئاسي المُهدِد وجودية الكَيان لإسباب شتى في مقدمتها فشل النظام السياسي القائم وفساد الطبقة الحاكمة عَلى تعاقبها.. كما ان خلاصة اللقاءات حاجة دُرِجت في تقرير ديبلوماسي يلحظ الرؤية الفرنسية سندآ للمعطيات السياسية الحالية شرح واقع عن ركام دولة والوضع العام المهترئ، ليكون بندآ عَلى طاولة القمة المرتقبة المنتظرة السادس مِن حزيران بين الرئيسين الفرنسي ايمانويل ماكرون والاميركي جو بايدن، ذلك خلال مشاركة الاخير في الذكرى الثمانين لإنزال النورماندي وتحرير اوروبا مِن الاحتلال النازي..!
تاليآ، إن كانت مواصفات الشخص المنتظر باتَت قاسمآ مشتركآ خطوة متقدمة خجولة فَهي مِن الصنف التجميلي لَيسَ إلا، طالما انها سَتكون للمرشح الثالث المعتلم من خارج الاصطفافات الحائز ضمانة دولية حال تخلي فريقي الصراع كلٌ عن مرشحه المتمسك به وِفقآ للظروف والاثمان. كما ان برنامج عمله “الرئيس” سيكون مدرجآ ضمن الهامش المبدئي للتسوية المنشودة، علمآ ان لا شيء سيفرض لزومآ لتبقى الخيارات مفتوحة تسهيل خروج البلد مِن النفق المتاهة..!
في السياق سرُب ان محادثات لودريان مع الرئيسين بري وميقاتي لم تقف عند بحث الازمة الرئاسية فقط، اذ تطرقت الى الوضع الجنوبي وحيثياته عرض تزاوج نسبي بين ارتفاع منسوب التوتر العسكري مع امكانية الانزلاق الى الحرب المفتوحة .. فيما اعلن بالتمام والكمال في كلمته يوم اول مِن امس الامين العام لحزب الله “ان لا ارتباط بين حرب غزة وانتخاب رئيس الجمهورية”، معتبرآ الحوار وسيلة حل لا غاية هدف، مؤكدآ ان وقف اطلاق النار الدائم في القطاع سيؤدي الى تبريد الجبهة الجنوبية ما يخفف من غلواء وتعنت افرقاء الصراع، لافتآ الى ان مكاسب الميدان لَم ولن تُقَرش عَلى الصعيد السياسي الداخلي..!
من البديهي الا يكون علم النحو حكرآ على العربية، لكن تراثها النحوي غني هائل مستفيض لا يقارن، فيما يعتبر استاذ اللسانيات Linguistics والفلسفة الاميركي نعوم تشومسكي “أن العلاقة بين الكلمات في اللغة تستند إلى الجانب التنفيذي التطبيقي” من هذا المنطلق صُرِف الحوار إحتهادآ مستحبآ (تشاورآ) كما قد يكون تداولآ، نقاشآ أو محادثةً الخ… فكان تسخيفآ لعقول الجَمع ارتياحآ عبثيآ لَيسَ إلا.. فيما لم ترفع كؤوس النبيذ الفرنسي خلال عشاء جَمَع سفراء اللجنة الخماسية في قصر الصنوبر، طالما ان مسيو لودريان لم يستطب الإدام “ما يُطَيب الخبز الفرنسي” على موائد اللئام، فالزيارة قد تكون الاخيرة إلا إذا جُدِد التكليف نتاج لقاء بايدن-ماكرون..!
لا مناص من القول ان ما في جعبة الديبلوماسي الفرنسي بضعة قصاصات بألوان متعددة فيما الصفراء منها اشد سطوعآ والصفر نتيجة حتى الآن..! اذ لمجمل حراكه ومعظم لقاءاته المنسقة مع السفراء الخمس إبقاء باريس عَلى خارطة المسرح الشرق اوسطي ضمن الصورة الاساسية لما يخطط للاقليم من تسويات وإن بَقيت على المستوى النظري حَصرَآ، ثبوت ان المختص الفعلي على المستوى الاجرائي للوضع الاقليمي بيد المستشار الرئاسي لشؤون امن الطاقة آموس هوكستاين.. فيما أستُشِف ان اتفاقآ مبدئيآ رُتِب لمرحلة اليوم التالي بعد توقف الحرب على جبهة المساندة جنوبآ، سند ما اعلن تزامنآ لا عَرَضَآ أمام خبراء وباحثين سياسيين في ندوة متخصصة نظمها معهد كارنيغي للدراسات السياسية لخارطة تفاهمات تضمنت مقترحآ من ثلاث حزمات اقتصادية، امنية ودعم دولي واسع اعتبره “بمثابة أسس تخفيف حدة الصراع المحتدم على الحدود بين اسرائيل ولبنان”، وبالواقعية الاساس استطرد معترفآ “لا أتوقع السلام الدائم بين حزب الله وإسرائيل”- لكن التوصل إلى مجموعة تفاهمات مع التخلص من بعض دوافع الصراع، وإقامة حدود معترف بها لأول مرة على الإطلاق بين البلدين، فسنكون قطعنا شوطا طويلا”… معتبرآ استقرار الوضع السياسي والاقتصادي في لبنان يساعد في تقليص نفوذ إيران. مؤكدآ إن “قدرة القوى الخارجية للتأثير على لبنان، مهما كانت العواقب، سوف تتضاءل بشكل كبير”..!
أسفآ؛ الازمة دون افق كما لا امكانية لإستلحاق زمني تعويضآ سواء على صعيد معضلة النازحين السوريين وخطر السقوط ديموغرافيآ ام على صعيد ازمة الانتخاب الرئاسية..! في روايته “هكذا تكلم زرادشت” يقول الفيلسوف الالماني فريديريك نيتشه: “في هذا العالم، حتى أعظم الأمور تفتقر إلى القيمة دون وجود شخص ما يؤديها: يُسمى هؤلاء المؤدين عظماء”..! هل نفتقرهم، نفتقدهم ام نجهلهم..؟ أتساءل..!
بيروت في 01.06.2024
*عميد متقاعد، مختص في الشؤون الامنية والاستراتيجية