جائزة “البوكر” العربية للروائية هدى بركات عن “بريد الليل”
“الدنيا نيوز” – خاص
فازت الروائية اللبنانية هدى بركات بجائزة البوكر العربية عن روايتها “بريد الليل” الصادرة عن دار الآداب، النتيجة تسربت ظهرا ووصلت لجهات إعلامية قبل الإعلان عليها خلال الحفل المسائي الذي تقيمه إدارة الجائزة سنويا في ابوظبي .
وقالت “اندبندنت عربية” أن الإجتماع الأخير للجنة التحكيم كان شبه عاصف وشهد سجالاً امتد لساعات وانتهى إلى التصويت.
وكانت انعام كجه جي المرشحة القوية للفوز بالجائزة قد غابت عن حفل توزيع البوكر مساء البارحة الثلاثاء، والمفاجأة أن جمهور الرواية احتفل برواية النبيذة البارحة غير قابل بفوز بريد الليل التي اعتبرها البعض مجموعة قصصية رفضت صاحبتها الترشح أساسا واعتذرت لدار النشر لكنّ لجنة التحكيم هي من رشحتها بعد استئذان دار الآداب التي اقنعت هدى بركات بضرورة الترشح.
بريد الليل، هدى بركات، روايتها في الرسائل، العنوان يذكر ببريد ببغداد لخوسيه ميجيل باراس، وكتاب (بريد بغداد) في نقد الشعر العراقي لحاتم الصكر، و(ساعي بريد نيرودا) لأنطونيو سكارميتا، و(باب الليل) لوحيد الطويلة.
وتتصل بروايات هدى بركات الأخرى وهي “نال أول عمل لها “حجر الضحك” جائزة النقد حيث كان هو أول عمل عربي تكون الشخصية الأساسية فيه لرجل مثلي، وهي الرواية التي وصفها عمر خاطر بأفضل رواية كتبت عن الحرب الأهلية بلبنان.
حصلت هدى بركات على جائزة نجيب محفوظ للأدب عن رواية (حارة المياه) سنة 2001. ومنحتها الحكومة الفرنسية رتبة الفارسة في الأدب والفنون عام 2002 وفي عام 2008 أخذت وسام الإستحقاق”، ومن أعمالها ”
1- ملكوت هذه الأرض، دار الآداب 2012.
2- رسائل الغريبة، دار النهار للنشر 2004
3- فيفا لا ديفا: مسرحية بالعامية اللبنانية، 2009″
ولها أيضا رواية أهل الهوى في 205 صفحات من منشورات الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة سنة 1999.
بريد الليل الذي يدرك أصاحبه، ثلاث رسائل، الأولى من ولد إلى أمّه التي اركبته القطار وهو طفل وودعته ليذهب إلى عمّه إلى المدينة ليدرس أو لينشأ هناك ويعيش… وبعدها يكتب لها وقد لوعته الحياة ودخل في الويلات، هو بارد جنسيا، ويعيش مع نساء ولكنه يشير إلى متابعة جار له يحاول اغتصابه !؟ ويعيش هذا الكاتب للرسالة اختلاط المشاعر والأحاسيس ويصف تحوّلات الأحوال والأهوال معه وهو المدمن على المخدرات والتائب منها والمحب للحياة الكريمة ، وفي الوقت ذاته الملول من العمل والمحب للهو والملذات بشكل عادي أو منحرف قليلا لا فرق.
هو إذًا يصف حاله وتحولاته وسوء ما حدث له وما يحدث له ويكتب الرسالة مضمنة اعترافات ولا يريد لها أن تصل لما فيها من إدانات له، إذًا يكتب لمحض الكتابة، ولكن ستصل الرسالة إلى يد امرأة؟.
الرسالة الثانية تكتبها امرأة في فندق يقابل الشقة المفترضة التي كتب الكاتب للرسالة الأولى نصها في بعض غرفها هناك، وتطلع المرأة على جوانب من الرسالة كيف؟ تجدها منسية في غرفة الفندق؟! تكتب المرأة رسالة عن زوج تهرب منه من دولة ما وتفكر بالهرب مع آخر لتعيش معه والكتابة ما بين كندا وفرنسا ولكن بغموض، وفيها بوح وخيانة وانحطاط وسمو وأمل في أن لا تقع الرسالة بيد أحد، ولعلها تنساها في الغرفة أو تتعمد تركها هناك أو تضيعها في المطار مع جريدة ؟.
الرسالة الثالثة كأنها لنفس الكاتب الأول الذي يكون في أحد المطارات ويبدو أنه يكتب ما يشبه اليوميات أو المذكرات ولكن بصيغة رسالة إلى أمّه أو قل إلى بريد الليل، وهناك يتحدث عن حبها له وكرهه لها وعن كرهها له وحبه لها باختلاط شديد، وواقعية، وندم، وانتشاء..
فيتذكر النشأة ويذكرها، وعذابات التربية مع الأب وما يخلفه في نفسه من ندوب، وموافقة الأم ذلك ومخالفتها له، وانحراف الولد وتعاطيه، ثم دولته التي يتعذب فيها ويتعذب بغير ذنب حتى يعترف بكل شيء فعله ولم يفعله، ثم يتحول إلى مخبر وإلى مجرم يعذب ويقتل ويمارس كل الوحشية لأنه يرغم على ذلك، فالرواية نفسية بامتياز، يصارح الرجل ذاته ويكاشفها ويدينها ويبرؤها وهكذا، ويدخل في لوحات من الوصف الكريه والمزعج، ويتبين أنه في المطار يحتمي هناك دون عمل، ودونما حاجة للسفر أو يجعل نفسه عالقًا هناك يراقب الذاهبين والعائدين، ويعثر على قطعة ما من رسالة المرأة التي كتبتها في الفندق ويبدأ بإدخالها في رسالته، ويعقد تشابكًا بين الرسالتين بطريقة ما، أو قل تقوم الروائية بخلق هذا التعقيد والتداخل كما هو شأن الرواية النفسية.
فهل الرسائل جميعها لشخصية واحدة بأبعاد نفسية وإنسانية واجتماعية واحدة ومتعددة!؟. وفي الكتابة ذاتها أي في الرسالة الثالثة يثبت الكاتب أنه من سوريا ؟ مسلم يهرب من معاناة الحرب للغرب، وهناك يكون بلا أوراق، ويعيش مهملا، في دولة غربية ويجد ولدًا ألبانيا مشردا مثله، وتعطف عليهما امرأة ستينية أو في منتصف الخمسينات وتأخذه ليعيش معها ويضاجعها ويكره ذلك وأخيرًا يقتلها بما يشبه حالة الكابوس ولا يعرف كيف يتخلص من آثار الجريمة، والأجواء تشبه فرنسا أو ألمانيا.
تفصيلات الرسالة كثيرة ومختلطة وفيها ما فيها من البوح والكتابة الإفضائية والاختتام بوداع الأم تصبحي على خير.
الرسالة الرابعة من امرأة إلى أخيها، المرأة تعمل منظفة في المطار بعد طردها من الفندق ومن عملها لدى امرأة، عثرت على بعض من رسالة الكاتب السابق وهو الذي احتجزه الأمن وكأنها سلمت جزءًا من الرسالة إليهم، واطلعت على جانب من مأساته، وحين تكتب لأخيها السجين تذكر له ما فعلته لها الأم التي تخلت عنها وباعتها صغيرة أو زوجتها زيجة بائسة فأنجبت بنتًا وتطلّقت من زوجها، وأصبحت تعمل خادمة ثم مومسًا وعاهرة لكبار السن، بعد ان تركت ابنتها تعيش مع الجدة (الأم)، فتغضب كثيرًا لهذا الأمر ولا تحتمل البنت على الرغم من إرسال والدتها النقود، لكنها زوجت الطفلة القاصر لخليجي، متذرعة بأنها تريد المال من أجل فك ابنها من السجن، وهو الأخ الخال الذي تكتب له المرأة الرسالة.
تكتب إليه وهو في السجن، وتخبره بأنها سرقت المرأة التي كانت تعمل لديها، وتركتها تموت ولم تقتلها هي، وكذلك فعلت مع والدتها فتقول لأخيها أنا لم أقتلها ولكنني تركتها تموت ولم أساعدها باستدعاء طبيب، وانشغلت بسرقتها كذلك بعد الوفاة، وهكذا تحاول استرداد بعض حقها بسبب زواج ابنتها والتخلي عنها، فقد حجزت وسافرت إليها في الخليج فوجدتها قد بيعت أو زوجت لرجل خنيث جعلها رقاصة وبغيا مدمنة، فعادت بها وها هي تقول المرأة لأخيها أكتب إليك لنلتقي بعد خروجك من السجن ونعالج البنت ونعيش بما لدي من نقود لتبدد شكوكه حول اتهامها بقتل أمهما لم ولن ترسل الرسالة ولا تعرف كيف ترسلها إليه وينتهي الكلام.
رسالة من ابن إلى أبيه، الولد مثلي ويصير أعور بسبب مرض، ويكون من الصغر يعاني من هذا الميل الجنسي الذي يجعل والده المناضل والمقاتل والقائد وحوله بعض المقاتلين -ربما هي إشارة للحروب الأهلية وحركات الربيع العربي؟- يذكر الابن قسوة الأب عليه وهربه مع شاب حبيب يصاب بمرض ويأخذ هذا بالعناية به حتى يموت في حالة مقرفة، يشير هذا الكاتب للرسالة إلى أنه اطلع قبل سنتين على رسالة المرأة السابقة التي ربما وضعتها في خزانة أو درج في البار الذي كان يعمل الولد في تنظيفه وخدمة الزبائن فيه حيث كان يخبر أهله بأنه كان يعمل في مطعم ولكنه يعدل هنا عن ذلك معترفًا بأنه كان في البار، ويشير إلى إشارة المرأة إلى رسالة اطلعت عليها لشاب قبل كتابة رسالتها.
يقول الدكتور والناقد جمال مقابلة : “هكذا تغدو الرسائل غير المرسلة هي ضامن البناء الروائي وهي التي تضبط إيقاع الرواية من جهة النوع الأدبي والأسلوب والانفتاح على السرد السيري والاعترافات ووصف المشاعر بصدق كبير، كما أن تشابه أحوال كتاب الرسائل المسجونين أو المهجّرين أو المنفيين أو المهمّشين اجتماعيا تصير ضابطًا إيقاعيا كذلك”.
مضيفا : “ان التعاطي والهوس الجنسي أو البرود أو المثلية الجنسية أو الدعارة أو المعارضة السياسية المفضية للقمع والسجن والاغتصاب والعمل مع أجهزة الدولة للتخلص من الفقر والتحول إلى ظالمين بسبب الهرب من الظلم، كل هذه تجعل الشخصان مجبرة على الكتابة بهذا الأسلوب (بريد الليل) كتابة صادقة إعترافية وذاتية وموضوعية وبوحية، مع تردد في إرسالها وفي الوقت ذاته الإحساس بضرورة كتابتها شهادة للذات أو تاريخها السري الصادق وتوقها لأن تعبر عن ذاتها قبل أن تفقد قدرتها على الكتابة أو البوح، ولا تخلو الكتابة من تأملات قاسية في العقائد الدينية والمذاهب الاجتماعية اللاإنسانية وأحكام الناس على بعضهم بعضًا”.
هدى بركات من مواليد بيروت العام 1952. عملت في التدريس والصحافة وتعيش حالياً في باريس. أصدرت ست روايات ومسرحيتين ومجموعة قصصية بالإضافة إلى كتاب يوميات. وشاركت في كتب جماعية باللغة الفرنسية. ترجمت أعمالها إلى العديد من اللغات. منحتها الدولة الفرنسية وسامين رفيعين. من أعمالها الروائية: “حجر الضحك” (1990)، “أهل الهوى” (1993)، “حارث المياه” (2000) ، “سيدي وحبيبي” (2004) ، “ملكوت هذه الأرض” (2012).
وقالت “اندبندنت عربية” أن الإجتماع الأخير للجنة التحكيم كان شبه عاصف وشهد سجالاً امتد لساعات وانتهى إلى التصويت.
وكانت انعام كجه جي المرشحة القوية للفوز بالجائزة قد غابت عن حفل توزيع البوكر مساء البارحة الثلاثاء، والمفاجأة أن جمهور الرواية احتفل برواية النبيذة البارحة غير قابل بفوز بريد الليل التي اعتبرها البعض مجموعة قصصية رفضت صاحبتها الترشح أساسا واعتذرت لدار النشر لكنّ لجنة التحكيم هي من رشحتها بعد استئذان دار الآداب التي اقنعت هدى بركات بضرورة الترشح.
بريد الليل، هدى بركات، روايتها في الرسائل، العنوان يذكر ببريد ببغداد لخوسيه ميجيل باراس، وكتاب (بريد بغداد) في نقد الشعر العراقي لحاتم الصكر، و(ساعي بريد نيرودا) لأنطونيو سكارميتا، و(باب الليل) لوحيد الطويلة.
وتتصل بروايات هدى بركات الأخرى وهي “نال أول عمل لها “حجر الضحك” جائزة النقد حيث كان هو أول عمل عربي تكون الشخصية الأساسية فيه لرجل مثلي، وهي الرواية التي وصفها عمر خاطر بأفضل رواية كتبت عن الحرب الأهلية بلبنان.
حصلت هدى بركات على جائزة نجيب محفوظ للأدب عن رواية (حارة المياه) سنة 2001. ومنحتها الحكومة الفرنسية رتبة الفارسة في الأدب والفنون عام 2002 وفي عام 2008 أخذت وسام الإستحقاق”، ومن أعمالها ”
1- ملكوت هذه الأرض، دار الآداب 2012.
2- رسائل الغريبة، دار النهار للنشر 2004
3- فيفا لا ديفا: مسرحية بالعامية اللبنانية، 2009″
ولها أيضا رواية أهل الهوى في 205 صفحات من منشورات الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة سنة 1999.
بريد الليل الذي يدرك أصاحبه، ثلاث رسائل، الأولى من ولد إلى أمّه التي اركبته القطار وهو طفل وودعته ليذهب إلى عمّه إلى المدينة ليدرس أو لينشأ هناك ويعيش… وبعدها يكتب لها وقد لوعته الحياة ودخل في الويلات، هو بارد جنسيا، ويعيش مع نساء ولكنه يشير إلى متابعة جار له يحاول اغتصابه !؟ ويعيش هذا الكاتب للرسالة اختلاط المشاعر والأحاسيس ويصف تحوّلات الأحوال والأهوال معه وهو المدمن على المخدرات والتائب منها والمحب للحياة الكريمة ، وفي الوقت ذاته الملول من العمل والمحب للهو والملذات بشكل عادي أو منحرف قليلا لا فرق.
هو إذًا يصف حاله وتحولاته وسوء ما حدث له وما يحدث له ويكتب الرسالة مضمنة اعترافات ولا يريد لها أن تصل لما فيها من إدانات له، إذًا يكتب لمحض الكتابة، ولكن ستصل الرسالة إلى يد امرأة؟.
الرسالة الثانية تكتبها امرأة في فندق يقابل الشقة المفترضة التي كتب الكاتب للرسالة الأولى نصها في بعض غرفها هناك، وتطلع المرأة على جوانب من الرسالة كيف؟ تجدها منسية في غرفة الفندق؟! تكتب المرأة رسالة عن زوج تهرب منه من دولة ما وتفكر بالهرب مع آخر لتعيش معه والكتابة ما بين كندا وفرنسا ولكن بغموض، وفيها بوح وخيانة وانحطاط وسمو وأمل في أن لا تقع الرسالة بيد أحد، ولعلها تنساها في الغرفة أو تتعمد تركها هناك أو تضيعها في المطار مع جريدة ؟.
الرسالة الثالثة كأنها لنفس الكاتب الأول الذي يكون في أحد المطارات ويبدو أنه يكتب ما يشبه اليوميات أو المذكرات ولكن بصيغة رسالة إلى أمّه أو قل إلى بريد الليل، وهناك يتحدث عن حبها له وكرهه لها وعن كرهها له وحبه لها باختلاط شديد، وواقعية، وندم، وانتشاء..
فيتذكر النشأة ويذكرها، وعذابات التربية مع الأب وما يخلفه في نفسه من ندوب، وموافقة الأم ذلك ومخالفتها له، وانحراف الولد وتعاطيه، ثم دولته التي يتعذب فيها ويتعذب بغير ذنب حتى يعترف بكل شيء فعله ولم يفعله، ثم يتحول إلى مخبر وإلى مجرم يعذب ويقتل ويمارس كل الوحشية لأنه يرغم على ذلك، فالرواية نفسية بامتياز، يصارح الرجل ذاته ويكاشفها ويدينها ويبرؤها وهكذا، ويدخل في لوحات من الوصف الكريه والمزعج، ويتبين أنه في المطار يحتمي هناك دون عمل، ودونما حاجة للسفر أو يجعل نفسه عالقًا هناك يراقب الذاهبين والعائدين، ويعثر على قطعة ما من رسالة المرأة التي كتبتها في الفندق ويبدأ بإدخالها في رسالته، ويعقد تشابكًا بين الرسالتين بطريقة ما، أو قل تقوم الروائية بخلق هذا التعقيد والتداخل كما هو شأن الرواية النفسية.
فهل الرسائل جميعها لشخصية واحدة بأبعاد نفسية وإنسانية واجتماعية واحدة ومتعددة!؟. وفي الكتابة ذاتها أي في الرسالة الثالثة يثبت الكاتب أنه من سوريا ؟ مسلم يهرب من معاناة الحرب للغرب، وهناك يكون بلا أوراق، ويعيش مهملا، في دولة غربية ويجد ولدًا ألبانيا مشردا مثله، وتعطف عليهما امرأة ستينية أو في منتصف الخمسينات وتأخذه ليعيش معها ويضاجعها ويكره ذلك وأخيرًا يقتلها بما يشبه حالة الكابوس ولا يعرف كيف يتخلص من آثار الجريمة، والأجواء تشبه فرنسا أو ألمانيا.
تفصيلات الرسالة كثيرة ومختلطة وفيها ما فيها من البوح والكتابة الإفضائية والاختتام بوداع الأم تصبحي على خير.
الرسالة الرابعة من امرأة إلى أخيها، المرأة تعمل منظفة في المطار بعد طردها من الفندق ومن عملها لدى امرأة، عثرت على بعض من رسالة الكاتب السابق وهو الذي احتجزه الأمن وكأنها سلمت جزءًا من الرسالة إليهم، واطلعت على جانب من مأساته، وحين تكتب لأخيها السجين تذكر له ما فعلته لها الأم التي تخلت عنها وباعتها صغيرة أو زوجتها زيجة بائسة فأنجبت بنتًا وتطلّقت من زوجها، وأصبحت تعمل خادمة ثم مومسًا وعاهرة لكبار السن، بعد ان تركت ابنتها تعيش مع الجدة (الأم)، فتغضب كثيرًا لهذا الأمر ولا تحتمل البنت على الرغم من إرسال والدتها النقود، لكنها زوجت الطفلة القاصر لخليجي، متذرعة بأنها تريد المال من أجل فك ابنها من السجن، وهو الأخ الخال الذي تكتب له المرأة الرسالة.
تكتب إليه وهو في السجن، وتخبره بأنها سرقت المرأة التي كانت تعمل لديها، وتركتها تموت ولم تقتلها هي، وكذلك فعلت مع والدتها فتقول لأخيها أنا لم أقتلها ولكنني تركتها تموت ولم أساعدها باستدعاء طبيب، وانشغلت بسرقتها كذلك بعد الوفاة، وهكذا تحاول استرداد بعض حقها بسبب زواج ابنتها والتخلي عنها، فقد حجزت وسافرت إليها في الخليج فوجدتها قد بيعت أو زوجت لرجل خنيث جعلها رقاصة وبغيا مدمنة، فعادت بها وها هي تقول المرأة لأخيها أكتب إليك لنلتقي بعد خروجك من السجن ونعالج البنت ونعيش بما لدي من نقود لتبدد شكوكه حول اتهامها بقتل أمهما لم ولن ترسل الرسالة ولا تعرف كيف ترسلها إليه وينتهي الكلام.
رسالة من ابن إلى أبيه، الولد مثلي ويصير أعور بسبب مرض، ويكون من الصغر يعاني من هذا الميل الجنسي الذي يجعل والده المناضل والمقاتل والقائد وحوله بعض المقاتلين -ربما هي إشارة للحروب الأهلية وحركات الربيع العربي؟- يذكر الابن قسوة الأب عليه وهربه مع شاب حبيب يصاب بمرض ويأخذ هذا بالعناية به حتى يموت في حالة مقرفة، يشير هذا الكاتب للرسالة إلى أنه اطلع قبل سنتين على رسالة المرأة السابقة التي ربما وضعتها في خزانة أو درج في البار الذي كان يعمل الولد في تنظيفه وخدمة الزبائن فيه حيث كان يخبر أهله بأنه كان يعمل في مطعم ولكنه يعدل هنا عن ذلك معترفًا بأنه كان في البار، ويشير إلى إشارة المرأة إلى رسالة اطلعت عليها لشاب قبل كتابة رسالتها.
يقول الدكتور والناقد جمال مقابلة : “هكذا تغدو الرسائل غير المرسلة هي ضامن البناء الروائي وهي التي تضبط إيقاع الرواية من جهة النوع الأدبي والأسلوب والانفتاح على السرد السيري والاعترافات ووصف المشاعر بصدق كبير، كما أن تشابه أحوال كتاب الرسائل المسجونين أو المهجّرين أو المنفيين أو المهمّشين اجتماعيا تصير ضابطًا إيقاعيا كذلك”.
مضيفا : “ان التعاطي والهوس الجنسي أو البرود أو المثلية الجنسية أو الدعارة أو المعارضة السياسية المفضية للقمع والسجن والاغتصاب والعمل مع أجهزة الدولة للتخلص من الفقر والتحول إلى ظالمين بسبب الهرب من الظلم، كل هذه تجعل الشخصان مجبرة على الكتابة بهذا الأسلوب (بريد الليل) كتابة صادقة إعترافية وذاتية وموضوعية وبوحية، مع تردد في إرسالها وفي الوقت ذاته الإحساس بضرورة كتابتها شهادة للذات أو تاريخها السري الصادق وتوقها لأن تعبر عن ذاتها قبل أن تفقد قدرتها على الكتابة أو البوح، ولا تخلو الكتابة من تأملات قاسية في العقائد الدينية والمذاهب الاجتماعية اللاإنسانية وأحكام الناس على بعضهم بعضًا”.
هدى بركات من مواليد بيروت العام 1952. عملت في التدريس والصحافة وتعيش حالياً في باريس. أصدرت ست روايات ومسرحيتين ومجموعة قصصية بالإضافة إلى كتاب يوميات. وشاركت في كتب جماعية باللغة الفرنسية. ترجمت أعمالها إلى العديد من اللغات. منحتها الدولة الفرنسية وسامين رفيعين. من أعمالها الروائية: “حجر الضحك” (1990)، “أهل الهوى” (1993)، “حارث المياه” (2000) ، “سيدي وحبيبي” (2004) ، “ملكوت هذه الأرض” (2012).