تراتيل رومانسية في رواية “صلاة لغيومك القادمة” للأديبة فاطمة صالح
كتب رياض طبرة:
“صلاة..لغيومك القادمة” عنوان الرواية الأولى لفاطمة صالح وتتابع فيها ما بدأته الروائيات العربيات من تسليط الضوء على واقع المرأة في الريف السوري.وفضح معاناة هذه المرأة وماتلقاه من عنت إن هي حاولت الخروج عما هو مألوف أو عما تعارف عليه المجتمع وسماه عادات وتقاليد لكن في هذه المتابعة جديداً يختزله العنوان، ففاطمة صالح تقدم كلماتها على أنها صلاة استسقاء لغيوم امرأة لعلّها تمطر حرية وتكسيراً للقيود التي تحيط بالمرأة، تحد من تقدمها وفاعلية دورها كي «تغرد عند طلوع الفجر، وتحمل مشاعل الخصوبة وتطير وتطير فوق بلاد هجرتها الطيور وتنثر اللهيث في ساحاتها المعتمة، وتدعو إله الشمس إلى الاحتفال فيأتي متبرجاً يحمل عصاه السحرية محاصراً الهة الغيم يعقد زفافه عليها» ص68. في الرواية أو الروايات على رأي خالد أبو خالد مقدم الرواية، وسيان عنده الأمر إن كانت رواية أو روايات شخوص معاصرة تعيش بيننا ما زالت على قيد الحياة باستثناء منتهى التي ماتت ولم نسمع صوتها مدوياً فهي رمز المرأة المقهورة، مسلوبة الإرادة، محرومة من حق الحب وحق الحياة كغيرها.. فالرواية معاصرة استندت إلى الماضي أخذت منه ما يناسب الحاضر وفقاً لما يراه المرحوم عبد الرحمن منيف من الماضي وما يهمه منه… وبالطبع لا يفرز الواقع الراهن بطلاً أو بطلة بالمفهوم التقليدي يبدأ معركة أو يعيش صراعاً ينتهي بانتصار الحق على الباطل والخير على الشر في معادلة الأدب الموضوعية، والتي تعطي الإبداع الأدبي تاجه وعناصره.. فالشخصيات زينب ـ محمود ـ منتهى وغيرها بسيطة مسلوبة الإرادة لا تقوى إلا على البوح بالأماني، تسترق السمع لما يدور من حولها، تلتف على الواقع وتسعى جاهدة للتخلص من آثاره السلبية، لكنها تظل عاجزة لا تحقق انتصاراً فيرتفع نداء الكاتبة في تجربتها الأولى ليغدو صلاة لغيوم قادمة، ولا تدخل في علم الغيب وتقرر سلفاً أن هذه الغيوم ستمطر بالضرورة..
وتدلنا الكاتبة على شخصية من شخصياتها بأسلوب رشيق يرسم ملامح المرأة كما تتمناها لا كما هي بالضرورة، عبر التعبير عن مشاعر، وبطبيعة الحال المشاعر تتبدل والظروف تتغير وتتغير معها المرأة ذاتها التي تبدو صورتها: طفلة، متمردة ـ حزينة، حرة، واثقة بمبادئها السامية، لا تظلم..لا تطغى، لا تأخذ حق غيرها، لا تقتات إلا بالحلال قوية بمبادئها، حزينة بغربتها قصية بأحلامها دافئة بحبها حنونة إلى أبعد من البحار، محبة إلى أقصى أعماق الكون والحياة، رقيقة كنسمة. شفافة كالحقيقة شغوفة كعاشقة، طفلة بريئة لا تشيخ أبداً حتى في أبعد من الثمانين بدهور. ص119
ولا يخفى على القارئ رومانسية فاطمة صالح وما ينضح به إناؤها الفضي، وهي التي نذرت نفسها للآخرين كما علمت من أحد الأصدقاء وسعدت بهم.
وفي مباشرة واضحة تعترف زينب بلسان النساء:
(نحن مكسر عصا) للجميع الكل يستسهل إهانتنا أو تحقيرنا، والتقليل من شأننا، وإرهاقنا نفسياً وجسدياً لأنه لا يخشى رد فعلنا..
وبعيداً عما إذا كانت هذه الصورة دقيقة تماماً فإن الواقع الراهن متفاوت تفاوتاً لا يسمح بالتعميم كان من الممكن عرض نموذج آخر للمقارنة ولو ضمنياً بين حال وحال وزمان وزمان ورؤية لرؤية، فليس كل الآباء واحداً في النظر إلى بناته أو ابنته حتى هذه المتهمة (بالاسترجال)..
وإذا كان الهم الرئيس في الرواية واقع المرأة وطموحاتها فإنه يسجل للرواية أنها تشير إلى واقع الأمة وتعقد مقاربة بين تحرر المرأة وتحرر الأمة…
في هذا الوطن الذي ندعوه اليوم سورية ولبنان وفلسطين والعراق..الخ كم قرية تقع في قطعة من هذه البقعة الطاهرة في هذا الوطن لها اسم يطلق على قرية أخرى في قطعة أخرى، أتريد أمثلة؟.. اسمع (نيحا) و(تنورين) في لبنان كما في سورية، (طرابلس) في لبنان كما في ليبيا البيرة في سورية كما في فلسطين، القنيطرة في سورية كما في المغرب الخ…
وليت الكاتبة أعطت اهتماماً أكبر لهذا التفاوت الكبير بين محدثي النعمة والشريحة الواسعة وما يمثله سعيد المهندس ابن مسعود الترك وما تمثله زينب بنت سليمان أبو علي فجدّها الشيخ يحيى الصالح الذي كانت فرنسا تحسب له حساباً وجدتها (قنوع الصالح) التي كانت أكدع من الرجال وأمها زهرة نساء القرية، صغيرهم وكبيرهم ينادونها أمي (ص161).
وقد أجادت في الإشارة إلى مرحلة من مراحل الثورة السورية الكبرى ودور الشيخ صالح العلي، ومواقفه في تأكيد على أن الحاضر يكاد يكون صورة عن الماضي الذي ليس ماضياً سحيقاً…
الرواية صادرة عن دار أعراف طرطوس وهي في 250 صفحة من القطع المتوسط وتحمل أشعاراً بدخول فاطمة صالح عالم الأدب من باب الرواية، فتحية لامرأة تنضمُّ لجيش النساء المقاتلات بالكلمة..
…………………………..
(قراءة في رواية الاديبة صالح كانت نشرت في صحيفة تشرين يوم 25/5/2018 ونعيد نشرها اليوم)