بين مكة المكرمة والقدس الشريف..!
بقلم ألْعَميد مُنْذِر ألأيوبي*
قمتين طارئتين عقدتا في مكة المكرمة الأسبوع الماضي الأولى خليجية و الثانية عربية تبعهما مؤتمر القمة الإسلامي ، العنوان العريض الجامع و المشترك هو مواجهة التهديدات و التدخلات الإيرانية في شؤون دول المنطقة أما ألسطر الثاني من العنوان فكان القضية الفلسطينية الأساس و مدينة القدس .
من جهة أخرى و بغض النظر عن الاصطفافات و سياسة المحاور بين الدول العربية و الإسلامية فقد تَسَيد اجواء هذه الاجتماعات القِمَم موقف متشدد تجاه إيران لا سيما بعد قصف منشأتين نفطيتين في عمق الأراضي السعودية بواسطة طائرات مسيرة عن بُعد تابعة لجماعة ألحوثيين ثم استهداف ناقلتي نفط في ميناء الفجيرة الإماراتي بعبوات ناسفة دقيقة مدروسة في الحجم و الفعالية ..
في نفس السياق ، و بألرغم مما آلت إليه التحضيرات لعقد صَفقة القرن فإن زعماء القمم ألثلاث لم يستطيعوا التملص من تأكيد ألرفض القاطع لأية تدابير تطال الوضع القانوني و التاريخي كما ألتطاول على حرمة ألأماكن المقدسة في مدينة ألقدس ، إذ أن حراك الجماهير العربية والإسلامية في يوم ألقدس العالمي تصدر المشهدية و لم يكن بألإمكان تجاهله ..
في قراءة بعض التفاصيل .. تضمنت كلمة رئيس جمهورية مصر عبد الفتاح السيسي خلال القمة العربية و كذلك أثر لقاءه ومباحثاته مع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز عبارة مفصلية : “الأمن القومي العربي” أكثر من عشر مرات ..!! لكن ما غاب عن باله ربما أو تناسى “مُرغمآ أخاك”…! أنه منذ تأسيس جامعة الدول العربية عام 1945 لم يكن لهذه العبارة أي مكان في قاموس القمم ومفاهيم الفكر السياسي و ألأهداف الاستراتيجية الموحدة للدول العربية الأعضاء ، عدا محاولة محورية فرضها الواقع الجيوسياسي تمثل في إنشاء مجلس التعاون لدول الخليج العربية عام 1981 ..
تحليل بسيط لمفهوم الأمن القومي العربي يشير إلى أنه محطم ومنهار إذ ان معاهدة الدفاع المشترك الموقعة بين الدول الأعضاء عام 1950 بقيت حبرآ على ورق شاهدة على عدم قدرة بَينية و بُنيوية في مواكبة التحولات والتوازنات الدولية و الإقليمية كما إنعكاساتها ، و لعل لائحة القُصور تضيء على حالٍ مُزرٍ وصلت اليه الأمة العربية بعد تراكُم بِدءآ من القضية الفلسطينية نكبة 1948 – نكسة 1967 – النصر أو الصمود الخجول عام 1973 – إتفاقيات الاذعان كامب دايفيد و وادي عربة – الحرب اللبنانية مُختصرة بِعبارة “طريق فلسطين تمر من جونية” – إتفاق القاهرة الذي أثبت هشاشة الدولة اللبنانية في حينه مما دفع قوى الثورة الفلسطينية الى التمادي قي قضم السيادة الوطنية ضمن لعبة مكشوفة عبر تغذية الفرقة بين المكونات و الطوائف اللبنانية تحت شعار ضَحِل أخذ صلاحيات من طائفة و اعطائها لأخرى دون اعتبار لوحدة الشعب و الوطن ، أما اتفاق الطائف فقد أثبت رغم الحاجة اليه ان الوطن اللبناني أوطان طائفية مذهبية و الباقي شعارات لا استراتيجيات – التطبيع بين بعض الدول العربية و إسرائيل مؤشر واضح على الهوان “من يهن يسهل الهوان عليه ~ ما لجرح بميت إيلام” ، أما الربيع العربي فكان خريفآ و تَخريفآ بكل المعاني “زهايمري” Alzheimer عَصَف وما زال بِ تونس، مصر، الجزائر، السودان و بحروب طمرت دولآ أخرى في أمنها و سيادتها و ثرواتها تحت رمال صحاري ليبيا واليمن و سوريا إلخ …
لا شك ان الأمن القومي العربي هو حلم من الصعوبة تحقيقه ، فاليوم أسوأ من البارحة و غدآ أسوأ من اليوم في ظل صراعات مفتوحة بين هرمز ، باب المندب ، قناة السويس وشواطئ شرقي ألمتوسط النفطية الغنية الفتية ، أما التنظيمات الارهابية كداعش والنصرة و غيرها فقد أثبتت في تطرفها ألإيديولوجي
و تغلغلها و انتشارها الميداني مع ارتباطاتها الاستخباراتية أنها أكثر قدرة وامكانات على تصفير الأمن على المسرح الإقليمي والعربي ، مما حتم طوعآ أو قسرآ تمدد النفوذ الإيراني والتركي و إستطرادآ تموضع “ألأرمادا” الروسية على ألشاطيء السوري ضمانآ لأمن كل منهم القومي بصرف النظر عن الحوافز و الأسباب كما الأهداف و ألمطامع ..
بألتوازي ، أعرب الرئيس الإيراني حسن روحاني عن اسفه لعدم دعوة طهران للمشاركة في القمة الإسلامية كألمعتاد ، وإذ تبين ان ألمقررات عالية اللهجة في مكان خجولة في آخر بنسب ما يقلق مضاجع ألزعماء ، فقد رأت وسائل الإعلام الاميركية ان هذه القمم أسفرت عن موقف موحد في مواجهة إيران والتوتر الإقليمي والإرهاب وتجاهلت ما يخص فلسطين والقدس ..
خِتامَآ ، لا مكان حتى ألآن لِ “ألليوجيرغا” Loya jirga الباشتونية Pashtunwali بين طهران والرياض على ما تبدى أو ظهر مؤخرآ يوم الجمعة الماضي فَ أن ما بين مكة المكرمة والقدس الشريف توجد “حارة حريك” ، أما ألأمن القومي العربي فهو في إجازة إلى يوم يبعثون ..
*عميد ، كاتب و باحث.
بيروت في 03.06.2019