بين التسوية والتسوية ..!
بِقَلَم ألْعَميد منذر ألأيوبي*
منذ بدايات ألكيان اللبناني سواء في حالة تمدده أو إنكماشه ألجيوسياسي وصولآ إلى زمن الاستقلال ثابرت الادارة السياسية الطائفية “ألدولة الضَحِلَة” Shallow State و “ألإستبليشمنت” Establishment الاقطاعي ، المالي و المذهبي على تطبيق نظريات تسووية إبتدعتها منها :
لا غالب و لا مغلوب – لا شرق و لا غرب ..الخ و ذلك تدعيمآ لسيطرتها و تأمينآ لمصالحها بما يتوافق
مع رغبات عرابيها من دول الخارج ..!
في علم الطوبوغرافيا تُعَرَف “التَسويَة” Leveling أنها عملية تعيين و تحديد إرتفاعات و إنخفاضات ألنقاط نسبةً لمستوى مرجعي ثابت Datum غالبآ ما يكون متوسط سطح البحر MSL ..!
بألمقابل فإن ألتسوية السياسية “ألصادقة” توجب أولآ ان يكون المستوى المرجعي الثابت فيها هو المصلحة الوطنية ألعليا ..!! و خلف “آرمَة” Signboard “اشغال – نعمل لأجلكم” تهدف التَسوية عادة الى “مَهْمَدَة” الارض أي توحيد جميع النقاط ألممسوحةعلى مستوى واحد ..!!
في حين أن التسوية السياسية ترمي إلى إيجاد القواسم المشتركة بين فريقين او اكثر ، بألتالي توحيد ألرأي و ألرؤى سياسيآ ، إقتصاديآ ، إداريآ ، إنمائيآ ..إلخ ،، و هي من حيث المبدأ تكون بين أقوياء متكافئين في الحجم و القوة و القدرة ، و من ألبديهي أنه في حال إنعدام التكافوء Parity يصبح ألأمر رديف “ألرضى ألمعيوب” Displeased Satisfaction إن لم نقل ألإستسلام ..
من هذا المنطلق ، لا يكفي ان يكون فرقاء التسوية الرئاسية الثلاث “تيار المستقبل ، ألتيار الوطني الحر ، حزب الله” غير راغبين بإسقاطها بل يتوجب أيضآ ألإلتزام بمقرراتها الغير مدونة و تفاهماتها
ألمفترضة و عدم لجوء اي من أطرافها إلى الضرب تحت الحزام ..!
من جهة أخرى ، فإن الاشتباك السياسي المتجدد بين التيارين الوطني الحر و المستقبل لا و لن يفيد الاول ، أما الأضرار التي قد تصيب الثاني فَ جانبية Collateral damage ربما تنقلب عكسية في لحظة سياسية ما ..! إذ لا يمكن بعد السير بالتسوية السياسية ألتي أوصلت العماد ميشال عون إلى سُدة ألرئاسة و إجراء الانتخابات النيابية ثم تشكيل حكومة العهد الاولى ألإنزلاق خاصةً في هذه ألمرحلة ألحرجة نحو طروحات من نوع إستعادة حقوق هذه الطائفة او تلك ألأمر الذي قد يؤدي إلى إنهيار جزئي لإحداثيات ألتفاهم و بألتالي يصبح سُقوط التسوية لا مناص منه ، فَ لا ألشارع المسيحي مُصاب بغبن فُرِضَ أو مَفروض عليه و لا الشارع ألسُني في سعادة ألمُهَيمن ألفارِض ألقرار ..!
بألتوازي ، القول أن “ألسُنيَة ألسياسية جاءت على جثة المارونية السياسية” نظرية غير قابلة للهضم
أو للتسويق سواءً في الشارع ألسني أو على الصعيد الوطني ، كما أن محاولة تصحيحها أو تشذيبها و لو تمت على عتبات ألمرجعيات الدينية لا يفيد بشيء فالكلمة كالرصاصة متى انطلقت أصابت وأدمَت ..
من ألمُسَلَم به أن إمكانية لملمة كلام خطأ مُسيء مُنحرف قيل أو كُتْب أو غُرِد بين الزعماء السياسيين سَهلٌ قابل ألتحقيق ، لكنه يتحول خطيئة لدى العامة يصعب محوها من ألذاكرة الجماعية خاصة إن لامست رموزآ دينية أو قدسية أو طاولت معتقدات محظور ألعَبَث بها و ألشواهد كثيرة ..
من ألسياق التاريخي للتسويات اللبنانية ألمتتالية و المطروحة دائمآ ، يمكن أللجوء إلى ألإستقراء ألرياضي Mathematical Induction لنكتشف مُشتركات منها : لا حصرية ألتسوية أولآ فهي تطال معظم القضايا و الملفات ، عدم إمكانية ألإستغناء عنها ثانيآ كَ “ضرورة وطنية”، أخيرآ و ألأهم إن عدم بلوغها أفضل من وجودها ألغير متوازن أو الغير مُتكافيء ..
ختامآ ، التركيبة السياسية التسووية ألرئاسية الحالية هي جزء من مسيرة تسويات ، و طالما أن ضمان إستمرارها خارجي إقليمي و دولي فإن كل الضجيج المحلي سيسبب مزيدآ من الإرباك و التشنج لكنه لن يقود إلى سقوطها و بألتالي ألبحث عن غيرها ، فَألثابت لدينا ان ما بين التسوية و التسوية “تَسويَة” جديدة .! عليه حَري بأهل السياسة و القيادة كما من الأجدى الانصراف إلى معالجة قضايا الناس الحياتية و الانمائية بتوازن و ملاحقة ألذئاب المنفردة و خلايا الإرهاب النائمة في أحضاننا ..!
إلى أن “يقضي الله أمرآ كان مفعولا” ..
*عميد متقاعد ، كاتب و باحث.
بيروت في 07.06.2019