الفنان البيروتي محمد شامل وضع أكثر من 20 ألف نص إذاعي ومسرحي .. إكتشف شوشو وغيَّرَ بروتوكول الرئيس
الدنيا نيوز – دانيا يوسف
الفنان الشامل محمد شامل… مكتشف شوشو ومغيّر بروتوكول الرئيس بشارة الخوري
بيروتي بامتياز… فنان ذو عين لاقطة وذاكرة حافظة… واضع أكثر من عشرين ألف نص اذاعي ومسرحي وتلفزيوني ومكتشف العديد من الشخصيات الفنية… صاغ الكلمة الخفيفة والناقدة والهادفة حتى لقّب برائد الأدب الشعبي المسرحي والاذاعي والتلفزيوني في لبنان… نتحدث اليوم عن واحد من أعلام لبنان الفنان محمد شامل…
ولد محمد شامل في مدينة بيروت عام 1909… ويقول بشأن ولادته:”يولد الاولاد وفي أفواههم ملاعق من ذهب، اما الاشقياء، وأنا واحد منهم، فيولدون وفي افواههم ملاعق من خشب. ولدتني أمي في محلّة كانت تدعى بوابة يعقوب ثم ماتت وأنا ابن ستة أشهر. فكانت المعادلة في ان امرأة استراحت وطفلا شقي”…
تزوج والد محمد شامل وانصرف عن الاهتمام بطفله فتعهدّه جداه لامه واعطياه من حنانهما وعطفهما الكثير… توفي جداه وهو ابن تسع سنوات فانتقل للعيش مجددا مع والده… عانى من قسوة ابيه وسطوة خالته التي حرّمت عليه دخول المدرسة…
كانت زوجة أبيه ترسله برفقة ولدها الى المدرسة ليرعاه، فيقضي شامل وقته مستمعا خلف الشباك وشقيقه داخل الصف يدرس.
ولأن نهمه الى المعرفة كان كبيرا، داوم محمد شامل على القراءة والاطلاع وكوّن ثقافة ذاتية مكنته من الدخول الى المعهد الشرقي الذي تشرف عليه جامعة ليون عام 1939. وفي ذلك الوقت، كان يفترض بالطالب للدخول الى المعهد ان يكون حاصلا على شهادة البكالوريا-القسم الثاني. لم يكن محمد شامل يحمل هذه الشهادة لكنه خاض الامتحان بنجاح وتخرّج من المعهد عام 1943 مجازا في الادب العربي.
تأثّر محمد شامل منذ نعومة أظفاره بجدّه لأمه الذي كان يقول الموال المرتجل وبجدّه لوالده الذي اشتهر بذكر قصة عنترة في المقاهي البلدية، اضافة الى تعلّقه بالشعر.
أحبّ المسرح منذ نعومة أظفاره وحرص على مشاهدة المسرحيات التي كانت تقدّمها الجوقات المصرية في لبنان. وعندما شعر والده بميله الفنّي،استخدم القسوة معه وكان محظورا عليه الخروج ليلا.
كبر محمد شامل وكبرت معه هوايته للفن، فيما تراخت قبضة والده بعد أن أيقن باستحالة ردعه عن هذا العالم الذي عشقه…
ويمكن القول ان الفترة الممتدة من العام 1926 الى العام 1946 شهدت على العديد من الاعمال المسرحية التي كتبها شامل وأدّى خلالها أدوارا مختلفة على المسرح وفي اروقة الاذاعة وحظيت باعجاب العديد من الشخصيات الاجتماعية والسياسية في لبنان… يقول في هذا الصدد:”في العام 1946 ذهبنا الى قصر بيت الدين. قضينا ليلة هناك في القصر لا تنسى. وقبيل انتهاء الحفلة غمزني الشيخ بشارة الخوري فجئت اليه وقال لي: تعال نحك في الادب. جالسته نصف ساعة وحين أزف وقت تقديم العشاء، رافقني الرئيس الى المائدة، وكان المدعوون من رؤساء بعثات ووزراء وسفراء ونواب وشخصيات ورائي، فخجلت. ثم وقف عند الباب وخاطب الجميع قائلا: اريد ان اغيّر البروتوكول اليوم، فاذا اقتضى البروتوكول أن أقف الى يمين رئيس الوزراء فأنا اليوم سوف أوقف محمد شامل مكانه.”
الى جانب المسرح، مارس محمد شامل مهنة التدريس وتنقّل في اكثر من مدرسة درّس خلالها اللغة العربية والقرآن الكريم اضافة الى الجغرافيا والتاريخ الى ان اصبح ناظر مدرسة البنين الاولى ثم مديرها في منطقة عين المريسة لمدة تزيد عن العشرين عاما…
وفي العام 1960 ترك المدرسة ليعود الى الاذاعة ويلتحق بعدها بالتلفزيون…
تجربة محمد شامل الاذاعية بدأت في اذاعة “الشرق الادنى” التي أسّسها الانكليز في مطلع الخمسينيات وأقام المشرفون عليها استديوهات في بيروت وفي القاهرة أما البث فكان من قبرص… في الاذاعة اذا، بدأ محمد شامل بكتابة وتقديم اسكتشات ضاحكة مع الفنان عبد الرحمن مرعي عرفت باسم “شامل ومرعي” واعتبرت حينها من أهم البرامج الفكاهية الاذاعية عام 1952…
يبدأ شامل بصوته البيروتي العميق ويتبعه مرعي بلهجة شعبية محببة ويقيدان الناس بلحظات ممتعة ويمرران رسائل بسيطة دون وعظ او ارشاد بروح فكاهية طيبة.
كتبت احدى المجلات الفنية واصفة تجربة الثنائي محمد شامل وعبد الرحمن مرعي:”اذا جاءك ضيف وأردت تكريمه، قدّمت له صحن عسل، اما شامل ومرعي فيقدمان في مسرحياتهما للمشاهدين برميلا من عسل”.
في العام 1956، قدّم جميع العاملين في اذاعة الشرق الادنى في بيروت استقالتهم من العمل وذلك تنديدا بالعدوان الثلاثي على مصر وببريطانيا “صاحبة الاذاعة” والتي كانت احدى الدول الثلاثة المعتدية… اثر اغلاق اذاعة الشرق الأدنى، نقل محمد شامل نشاطه للاذاعة اللبنانية ويعتبر من الرعيل المؤسس للعمل الاذاعي الفني فيها…
تجربته في الاذاعة اللبنانية كانت ثرية ويمكن القول انه أول من أرسى دعائم العمل الاذاعي الدرامي والكوميدي الاذاعي… كان ركنا هاما واكتشف العديد من المواهب التي تركت بصمات هامة على الساحة الفنية اللبنانية لعلّ أبرزها الفنان حسن علاء الدين “شوشو”.
ظلّ حسن علاء الدين يرافق محمد شامل كظلّه… فاقترب من عالم الفن وجوّه ونسج صداقات وقام بعدة أدوار اذاعية في الاذاعة اللبنانية… وقد ترافقت هذه المرحلة مع ولادة تلفزيون لبنان وطلب من محمد شامل ان يكتب برنامجا للاطفال وينفّذه… وبعد طول تفكير، قرّر ان يلبس حسن علاء الدين ملابس للاطفال ويلقّنه محفوظاتهم واطلق عليه اسم “شوشو” واطلقه تلفزيونيا في برنامجه “عمو شامل”.
ومع شوشو أعطى عددا كبيرا من الاسكتشات الضاحكة لاذاعة لبنان منها:”يا مدير”،”اضحك معنا”،”حلقات جحا”،”مذكرات شوشو بك”،”أشعب والكندي”،”قهوة النشاط”…وشدّت هذه البرامج أسماع الناس اليها.
وتتالت بعده ايضا سبحة البرامج التلفزيونية ابرزها:شارع العز-حكاية كل يوم-مسرح ابو الريش-جحا-انا وحماتي-صبر ايوب-الحكواتي –الدنيا لمين-عائلة الشوبكلي وآخرها الدنيا هيك…
لم تقتصر كتابات محمد شامل على الكوميديا انما تنوعت لتطال مختلف الانماط البرامجية الاذاعية…
يمكن القول ان محمد شامل كان من أفضل من قدّموا الشخصية البيروتية الشعبية على مدى اكثر من اربعة عقود… والاجواء الشعبية التي صوّرها محمد شامل في برامجه اختارها من واقع عاشه ونقله بمهارة وفن…
ولانه خلق ليعيش في الشمس، فقد لفحته شمس العطاء حتى أصابت منه شغاف القلب… ومع ذلك، ظل يعطي ويضحك حتى وافته المنية في الرابع من ايار\مايو عام 1999 عن عمر يناهز التسعين عاما…
أكثر من نصف قرن من الزمن ارتدى خلالها دور “المختار” وعالج مشاكل الناس مع الدنيا ومشاكل الدنيا مع الناس… رسم لوحات بيروت الاصيلة، عمل جاهدا على تبديد الاسى عن الوجوه والاجابة على اسئلة تدور في رأس كل انسان.انتقد عيوب المجتمع بروح فكاهية بعيدة عن اي تجريح او قسوة…
من مجتمعه البسيط ومن حياته التي لم تخل من معاناة انطلق… بدأ مربيا للاجيال في مدرسة… ومن المدرسة الصغيرة تحوّل الى معلم في مدرسة أكبر ألا وهي المسرح والاذاعة ،وفيما بعد الشاشة الفضية… كتب الشعر وكتابات نقدية للعديد من الصحف اللبنانية… رفد الاذاعات العربية ببرامج تراثية قيّمة… تلك كانت اضاءات من سيرة حياة محمد شامل الذي قال يوما:
“وان مشيت الى العالم الجديد وانطوت بعض أمنياتي وصمتت على شفاهي الكلمة،لكن قديمي الذي انتشر في ربوع هذا الجديد حقّق بعض جوانب الأمنيات لأنه مزيج من الحب الذي لا يصنّف.”وقال أيضا:
“حسبي اذا الحب أضناني فمتّ هوى أن يذكروني قالوا كان انسانا”.