الفرنسي لودريان يستعين بالفنان الاسباني سلفادور دالي..!
بقلم : العميد مُنذِر الايوبي*
ما كادت طائرة الموفد الفرنسي جان ايف لودريان تلامس اطاراتها ارض المدرج الغربي لمطار رفيق الحريري الدولي، ثم توجهه الى مقر السفير الفرنسي في قصر الصنوبر، حتى اطلق المهتمين المنتظرين قدومه على مضض من رجال ساسة واعلام دون استبعاد جماعة الاستعلام، صفارة البداية لمتابعة حركته وتصريحاته بالتفاصيل، عَلَّ ما يشفِ مما يستشفُ ويَسري، المترافقة بديهيآ قبل او بعد مع تعليقات وتويترات تلتقط هوامش الثواني واللحظات، لتدخل في باب الثناء او الهجاء، القبول او الرفض الخ..!
تاليآ؛ كما في مناسبات ذات اهمية كهذه، كُلِف قارئي حركات الجسد Body movement reader من ثاقبي البصر ومرتهني البصيرة مختصي التواصل غير اللفظي وقراءة الافكار، الانكباب على دراسة الاشارات والايماءات سواءً الارادية منها او العفوية بما قد يقود الى فهم كافٍ للمواقف كما يسمح برسم خارطة التوقعات المرتقبات..
لكن علامتين بارزتين تم التقاطهما لم تكونا بحاجة لكثير جهد في الرصد “الحذاء والنظارة”، اذ انتعل الزائر المميز خلال لقاءاته واجتماعاته “حذاءً بنيآ فاتح اللون، ذو شكل قديم خارج الموضة وبحالة مقبولة” بما لا يتناسب مع الاناقة الفرنسية المعتادة والبزة الرسمية حيث درجت العادة ان يكون لون الحذاء اسودآ لماع..! ما رفع نسبة التعليقات دون استحياء من جماعة “طق الحنك” وثرثريي المواقع والمنصات مع تجنبهم عبارات الانتقاد اللاذع، اذ حل مكانها تساؤلات ضحلة عن الموضة الباريسية المستجدة او اللامبالاة للبروتوكولات الرسمية والديبلوماسبة..!
من جهة اخرى؛ دأب جان ايف لودريان خلال تصريحاته لوسائل الاعلام النظر الى السائلين من فوق النظارة Lunette لحظة تلفظه اسم مسؤول ما إثر لقائه “ما لم يلحظه المراقبين” رغم ان هذه النظرة في علم النفس وحركات الجسد تدل على استصغار ان لم يكن ازدراء الاخر، أَٰ كان من طارح السؤال ام السائل عنه..! تزامنآ مع نظرات لودريان الساخرات ونظارته الليلكية، سجل من حين لآخر تقطيب جبينه ورفعه الى اعلى ما يدل عن دهشة لسطحية الاستفهام او سخافة المُستفهِم..! كما لم يَخطُ جبينه عبوسآ يدل على تحير او ارتباك..!
في السياق؛ على ما يبدو الفلسفة الصينية ستغزو العالم كما المنتجات والاستثمارات، اذ يروى حرص الصينيين على انتعال الاحذية الحديدية الضيقة، ربما للمحافظة على بقاء اقدامهم صغيرة..! لكن في الفلسفة الصينية ما هو اكثر عمقآ، اذ ان حكمة ضيق الأحذية او صدئها وغرابة الوانها تتقاطع مع الفلسفة السريالية للفنان “سلفادور دالي” التي طبعت نتاجه التشكيلي والادبي، عندما قدم شرحآ مسهبآ في كتابه (يوميات عبقري) Diary of a Genius عن اختياره خلال الكتابة انتعال حذاء ضيق بجلد لامع قصد “الفعالية الابداعية” creative thinking بمنظوره، فبدت وفق النقاد فلسفة غريبة عن عالم الواقع مُفرطة في الخيال..!
في اختصار تعليقٍ لافت للواء جميل السيد عن “حذاء لودريان” ورد: أن الدبلوماسي المحترف الخبير بلبنان لم يخطىء في اختيار الحذاء خلال جولته على المسؤولين، لا بل إختاره قصداً ذلك أنّه من أهَمّ وسائل الإقناع لحَمْل المسؤولين على القبول بالحلول والتسويات، وكلّما كان الحذاء قديماً ومهترئاً كلما كان وسيلة أسهل للإقناع”. مقفلآ التغريدة بعبارة: “كُلّ صرماية وإنتو بخير”..!
في النتيجة، وبعد زيارة استمرت ثلاثة ايام تضمنت اجتماعات كثيرة على مختلف المستويات، ثابر خلالها على انتعال ذا “البني الفاتح” مستقرضآ من سلفادور دالي عبارة الفعالية الابداعية لتطبيقها مستلهمآ على المهمة السياسية-الديبلوماسية سعي حل الازمة وانقاذ البلاد والعباد من مستحقي الاحذية؛ سجل في النهاية صعوده سلم طائرة العودة الى مطار شارل ديغول بالحذاء الملفت نفسه؛ مع الامل ان يعود الينا منتصف تموز المقبل بالجلدي الاسود الانيق اللامع..! تفاءلوا بالخير..!
طرابلس في 25.06.2023