إعلانات مبوبة..!
بِقَلَم العَميد مُنْذِر الايوبي*
عندما قال غسان كنفاني في تعريف الحضارة : ان “الاعلانات المبوبة” في صحيفة من الصحف هي “البارومتر” الذي يقيس عملية دخول شعب من الشعوب الى الحضارة او خروجه منها او برطَعته فيها…!
كان قد أصابَ مِنَّا مَقتَلآ ..!! دون أن يدري ..!
و أنت أذ امسكت الجريدة او المجلة و قرأت باب الاعلانات المبوبة فلا شك انك تستطيع تكوين فكرة طيبة أو العكس عمّا يحدث في البلد من حركة المجتمع و الاقتصاد و حتى – في الواقع- األرَغَبات ..!
مَضَى شهر على ذكرى استشهادِ غسان – ٨ حزيران ١٩٧٢ – على يد الموساد الاسرائيلي لكن الذكرى لا يُمْكِن أن تمر بيني و بين ألفكر و القَلب بِخفوت شمسِ الغَسَق ..! و إذ استذكر ما كَتَبَه في عجالةٍ عن تعريف الحضارة فقد ترسخت هذه الفكرة عن الإعلانات المبوبة مُنذ المراهقة و رافقت سنين ألخدمة العسكرية بإعتبارها مصدرِ معلومات لا بأسَ بِه أيضَآ و خاصة إن تلمست ما بين السطور ..!!
لو تَصَفَحنا اليوم و قد أصبحت خارج نمط الحداثة بعد أن أدمنا وسائل التواصل الاجتماعي و اعلاناتها المفروضة على عيوننا قسرآ لَتَأَكَدنا أن هذا الشَهيد لَم يُخطِىء مطلقَآ هو ألمَعي الفكرِ وَطَني الوجدان حُر القَلَم و لَوَجَدنا أحوالنا و الحَال تُخْتَصَرُ في هذي الصفحات “ألإعلانات ألمبوبة” أو في “بوستات الشتيمة والهذيان” على المواقع الالكترونية المزينة بألوان أحزابها و التيارات إضافة عَلى تسمية جديدة دخلت قاموس السياسة “ألمنتديات” ..!!
بألمختصر ؛ لَن نَعثر أو نتعثر بدعايات عَن مشاريع إستثمارية جديدة و لَن نَقرَأ عَن قُصورٍ أو شُقَقٍ يَرغبُ مغتربين أو مِن بلاد الخليج بِإستئجارِها في وطن ألأرز كما أننا لَن نعثُر في خانة “المطلوب” عَمن يَودُ إستئجار يَختٍ ، سيارة فارهة ، عربة خيل أو تَمَلُكِ و لو دونمٍ واحِدٍ في بِلادِ مَرقَدِ العَنزَةِ ..!!
بِالمُقابِل سنَجِد في عَمودِ أو صفحة “ألمعروض”،، بيع الجِنسية اللبنانية أو كِلى لِمَرضى ،، مزادٌ عَن شققٍ
و مَنازِلَ مع أثاثِها لغاية السَّفَر و بسبب الطَفَر ،، وَ مِنَ السُهولَة بِمَكان إنتِقاء طبيبٍ أو مُهَنِدس أو خريجٌ بِدَرَجَة “بي.أتش.دي” يَرغَب العَمَل وَ لو سائق “مع ألإحترام” لهذه المهنة حَتمَآ لا إنتِقَاصَآ ..الخ …
سَنَقرَأ صَفحَة الوفيات الزاخِرَة بأسماء مَن تُوفوا في معظَمَهم بأمراضِ السَرَطان المتعددة و بالتَلَوثِ وَ الغَرقِ أو حوادث السيرِ و إطلاقِ النار و سِواها و حاليآ ال COVID 19 “رَحِمَهم الله”.. إستطرادآ فضوليآ سنتابع قراءة الوفيات لا إراديآ عَلَّنا نَقرأ أسماءنا بَين ألأموات “كَمَا قال زياد في نَزَل السُّرور” …!!
إذا قَلَبنا الصَفحة إلى “ألإعلانات الرَسمية” أو إنتقلنا إلى مواقع ألوزارات لَوَجَدنا “إتفاقيات التراضي” مِن كَهرَباءِ وَ ماءِ و طُرُقاتِ و مُشتَقاتها ؛ من إلتِزامات البُنى ألتَحتيَة وَ ألفوقيَة و السدود و ما بينَهُما وصولآ إلى مَفروشاتِ مَكتَب المدير العام .. ناهيك بألتوظيفات عن جدارة الاستزلام و الانتماء الطائفي إلخ .. دون أن يَرف لك جَفنٌ كَونَك قَرأتَ نفس ألأعلانات منذ خمسون عاما في أعداد قرأها الوالد و ألجِد و لعرفت مصدر نهب المال العام أو سرقة اموال الناس و لأكتشفت مثالب و مساويء و خبايا النظام ..!
أما ألإفلاسات فَحدِث و لا حَرَج “حقيقية أو إحتيالية” مؤامرة أطرافها مصارف ؛ لا فَرَق فالجميع سواسية إلى أي مَذهَبٍ إنتَموا أما ألعدالة ألتوافقية فَ “فنجان قهوة” قرب الميزان المنصب يشمل و يستضيف الْجَمِيع ..!
توقف الترويج عن الرحِلاتُ السياحية فألدولار مفقود و الفقر فاق كل حدود غلاءٍ و بلاء ، جبال نِفاياتٍ ، حرائق و مهرجاناتٍ تحتَ ظِلالِ ألخراب ..!
أخيرآ أقول لِ غَسان إطمَئن صديقي لَم ترَّ لبنان الانهيار في المئوية كما لم يُدرَج إسْمُكَ في صفحة ألوفيات لَكِن أجيال النَكبَةِ تَكتُبه على بالوناتِ تُشعَل تحمِلُها الريح حارِقَةً بِوجه عدو غاشِم .. “عَظيمٌ أنتَ بِكُبرِ وَطَن ..”
بيروت في 29.06.2020